الترشيد.. حين يكون ثقافة

هاني الأديمي

يسخر‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬الذين‭ ‬يمرون‭ ‬قبل‭ ‬وقت‭ ‬النوم‭ ‬على‭ ‬غرف‭ ‬منازلهم‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬إطفاء‭ ‬الأنوار‭ ‬وبعض‭ ‬الأجهزة‭ ‬الكهربائية‭ ‬ويتهمونهم‭ ‬بالبخل،‭ ‬وقد‭ ‬تحولت‭ ‬تلك‭ ‬السخرية‭ ‬إلى‭ ‬‭”‬نكت‭”‬‭ ‬وأمثلة‭ ‬تتداول‭ ‬بين‭ ‬الناس‭.‬

يحدث‭ ‬كثيراً‭ ‬أن‭ ‬يتعود‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬فعلٍ‭ ‬خطأ‭ ‬فيمارسونه‭ ‬لوقت‭ ‬طويل،‭ ‬ويتناسون‭ ‬الفعل‭ ‬الصحيح‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬جاءهم‭ ‬أحد‭ ‬به‭ ‬سخروا‭ ‬منه‭.‬

بات‭ ‬الجميع‭ ‬لا‭ ‬يلقي‭ ‬اهتماماً‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الممارسات‭ ‬الخاطئة‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬مؤخراً‭. ‬فترشيد‭ ‬الاستهلاك‭ ‬للكهرباء‭ ‬وغيرها‭ ‬ليست‭ ‬وظيفةٌ‭ ‬لكبار‭ ‬السن‭ ‬أو‭ ‬الحريصين‭ ‬على‭ ‬أموالهم‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬أمر‭ ‬واجب‭ ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬ومن‭ ‬المهم‭ ‬والضروري‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬الترشيد‭ ‬ثقافة‭ ‬لدى‭ ‬جميع‭ ‬الناس‭.‬

وكلمة‭ ‬‭”‬ترشيد‭”‬‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬التقليل‭ ‬أو‭ ‬التقتير‭ ‬وإنما‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الخدمة‭ ‬بما‭ ‬يكفيك‭ ‬دون‭ ‬الإسراف،‭ ‬وجاءت‭ ‬الكلمة‭ ‬من‭ ‬الرشد‭ ‬والرشاد‭ ‬وهو‭ ‬الطريق‭ ‬الوسط‭. ‬وترشيد‭ ‬استهلاك‭ ‬الطاقة‭ ‬لا‭ ‬يعنى‭ ‬منع‭ ‬استهلاكها‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يعنى‭ ‬استخدامها‭ ‬بأسلوب‭ ‬صحيح‭ ‬بما‭ ‬يحد‭ ‬من‭ ‬إهدارها،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تُعرَّف‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬أو‭ ‬التقنيات‭ ‬التي‭ ‬تؤدى‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬الاستهلاك‭ ‬دون‭ ‬المساس‭ ‬براحة‭ ‬الافراد‭ ‬أو‭ ‬إنتاجيتهم،‭ ‬واستخدام‭ ‬الطاقة‭ ‬عند‭ ‬الحاجة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لها‭.‬

ويختصر‭ ‬علينا‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الشرح‭ ‬والتعبير‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: ‬‭”‬والذين‭ ‬إذا‭ ‬أنفقوا‭ ‬لم‭ ‬يُسرفوا‭ ‬ولم‭ ‬يَقْتُروا‭ ‬وكان‭ ‬بين‭ ‬ذلك‭ ‬قواما‭”‬‭ ‬صدق‭ ‬الله‭ ‬العظيم‭.‬

والقوام‭ ‬هو‭ ‬الترشيد،‭ ‬وهو‭ ‬المنهج‭ ‬الإلهي‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬ترشيد‭ ‬الإنفاق‭ ‬ويأتي‭ ‬بين‭ ‬مفهومي‭ ‬الإسراف‭ ‬والتقتير،‭ ‬وينطبق‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬على‭ ‬بيوتنا‭ ‬ومؤسساتنا‭ ‬وحتى‭ ‬على‭ ‬ذواتنا‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمور‭.‬

ومن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬يتضح‭ ‬لنا‭ ‬بأن‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬تحفيز‭ ‬على‭ ‬تقليل‭ ‬ما‭ ‬نفعل‭ ‬أو‭ ‬نستخدم‭ ‬ولكن‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الاستخدام‭ ‬للحاجة‭ ‬فقط‭ ‬دون‭ ‬الإسراف‭.‬

تساؤل‭ ‬أخير‭.‬

ربما‭ ‬تكون‭ ‬أنت‭ ‬واحد‭ ‬ممن‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬إطفاء‭ ‬النور‭ ‬أو‭ ‬جهاز‭ ‬التكييف‭ ‬في‭ ‬منزله‭ ‬عند‭ ‬عدم‭ ‬الحاجة‭ ‬إليه‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬الترشيد‭ ‬ولكن‭.. ‬هل‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬فندق؟‭!.. ‬أو‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬عملك؟‭!.. ‬أو‭ ‬في‭ ‬‭”‬استراحة‭”‬‭ ‬استأجرتها‭ ‬مع‭ ‬عائلتك‭ ‬للترفيه؟

حين‭ ‬يصبح‭ ‬الترشيد‭ ‬ثقافة‭ ‬لدى‭ ‬الجميع‭ ‬فلن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬المنزل‭ ‬ومكان‭ ‬العمل‭.. ‬وبين‭ ‬المنزل‭ ‬والفندق‭.. ‬وبين‭ ‬الفندق‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬والفندق‭ ‬خارج‭ ‬الوطن؟

*رئيس تحرير مجلة التقييس الخليجي

هاني أحمد الأديمي
Comments (0)
Add Comment