المدن الذكية

م. مشاري بن عبد الرحمن ال صلاح *

يشار إلى المدن الذكية بأنها المدن التي تستخدم تقنية المعلومات والاتصالات (ICT) لزيادة قابليتها للعيش وكفاءتها التشغيلية واستدامتها.

يُعرِّف كل من (Visvizi and Lytras) بأن المدينة الذكية مجتمع مستنير، إضافة إلى ذلك فإن ظهور أدوات مبتكرة يطلق عليها اسم الجهاز العصبي الاصطناعي أو بما يسمى بالذكاء الاصطناعي يساعد المدن على إدارة الأصول والموارد والخدمات بكفاءة عالية. ونتيجة لذلك، أصبح تخطيط وإدارة المدن من مهام الخبراء، بمعنى آخر يتم تشغيل مهام مثل إدارة البيانات من المواطنين والأصول والأجهزة، والتي تم التعامل معها بشكل تقليدي في السابق، يديرها حالياً أشخاص يتمتعون بمهارات مختصة لفهم الإجراءات المعقدة ذات الطابع التقني، على سبيل المثال: تعتمد (سونجدو) في كوريا الجنوبية على أجهزة الاستشعار والأتمتة لإدارة وظائفها وعملياتها في المدينة، مما يجعلها نموذجاً للمدينة الذكية التي يمكن للمملكة العربية السعودية الاستفادة من تجربتها لتعزيز استدامة مدنها.

مواصفات المدن الذكية ودورها

تؤدي مواصفات المدينة الذكية إلى دمج ستة أدوار أساسية (انظر الشكل 1) حيث توفر شبكة إنترنت الأشياء التكنولوجيا (IoT) والمعدات المستخدمة في كفاءة استخدام الطاقة ودمج مصادر الطاقة المستدامة (Sadiku et al. 42)، وكذلك تسهل بيانات الإنترنت توزيع الأجهزة التكنولوجية المتقدمة لتطوير أنظمة خدمة رقمية مبتكرة، وبالإضافة إلى ذلك فإنه يشجع على إعادة هيكلة الإنشاءات الحضارية، وأيضاً تعزز خدمات الإنترنت الظروف المعيشية للأفراد ونمو الشركات، حيث أن الأذكياء يتيحون الأدوات الرقمية ويستخدمون الموارد بكفاءة في زيادة الوعي للسكان والمنظمات، وعلاوة على ذلك  يقدم الاقتصاد الذكي نموذجاً للحفاظ على التجارة النقدية والمالية للمشاريع التجارية (فيزيوو وليرس 65)، وبالتالي تتكون معايير المدن الذكية من التنقل والاقتصاد والحوكمة والمعيشة المستدامة، والتي يتم دمجها باستخدام إنترنت الأشياء لتشكيل المدينة الذكية.

مفهوم كوريا الجنوبية للمدن الذكية

تحولت كوريا الجنوبية بشكل ملحوظ مما كانت عليه قبل 60 عاماً إلى مدينة ذكية، كما لاحظت شركة Intralink Limited، نمو كوريا الجنوبية من دولة قائمة على الزراعة إلى اقتصاد صناعي يشمل شركات السيارات والتصنيع الرفيع المستوى وبناء السفن، وبالإضافة إلى ذلك اعتمدت الدولة على نطاق واسع تقنية المعلومات مثل: استخدام الأجهزة المبتكرة والاتصالات، وفي الوقت الحالي يبلغ عدد سكان كوريا الجنوبية 51 مليون نسمة، ويبلغ إجمالي الناتج المحلي 1.2 تريليون نسمة في عام 2018م، هذه العوامل تجعل كوريا الجنوبية تحتل المرتبة الحادية عشر من بين أكبر الاقتصادات على مستوى العالم.

علاوة على ذلك تجاوزت كوريا الجنوبية العديد من الدول عندما يتعلق الأمر بالتقدم التكنولوجي، لا سيما في اعتماد استخدام الهواتف الذكية والإنترنت واسع النطاق.

إن الاقتصاد الكوري يدعم الإبداع والابتكار ونتيجة لذلك فإن كوريا الجنوبية في وضع استراتيجي يمكّنها من استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT)؛ لزيادة قابليتها للعيش وكفاءتها التشغيلية واستدامتها.

يتأثر نمو وتوسع كوريا الجنوبية بتطور المدن والبلدات، ولا تعمل المدن على المستوى المحلي فحسب، بل أيضاً على المستوى الدولي، وفي هذا الصدد فإن قضايا تعزيز أمن الدولة – فضلاً عن تحقيق التوازن بين الأسواق والمخاوف السياسية – معقدة وأكثر رقمنه، وبالتالي – كما أشار (Visvizi and Lytras) – أن هذه الأنشطة تتطلب النظر في المتخصصين الذين لديهم الكفاءة والقدرة على استخدام الإجراءات الصعبة ذات الطبيعة المتخصصة للغاية، إلى جانب ذلك فإن كل مدينة أو بلدة هي نظام فرعي للنظام الذكي الأكبر في كوريا الجنوبية، وبالتالي  هناك حاجة لتكامل العمليات والبيانات والأجهزة داخل المدن المختلفة.

تُستخدم (سونجدو) في كوريا الجنوبية على نطاق واسع كأفضل ممارسة للمدن الذكية في جميع أنحاء العالم، على الرغم من أن (سونجدو) لم تتطور بعد إلى مدينة ذكية حقًا، إلا أنها تتميز بغالبية المواصفات ذات الصلة، وهي مبنية على أرض مستصلحة وتدمج تقنية المعلومات والأدوات المبتكرة للتعامل مع غالبية وظائف المدينة مع القليل من التدخلات البشرية، وتم تجهيز الشوارع والمنازل بأجهزة استشعار لرصد الظروف البيئية، بما في ذلك حركة المرور والتلوث، إدارة النفايات آلية ومستدامة حيث يتم نقل النفايات المنزلية والصناعية عبر أنظمة تعمل بالهواء المضغوط إلى محرقة تتضاعف أيضاً كجهاز لتحويل النفايات إلى طاقة، كما تم تجميل المدينة بالحدائق الخضراء لخلق بيئة طبيعية في بيئة حضارية، هذه المميزات تجعل (سونجدو) مدينة ذكية يمكن تكرار تصميمها وتقنياتها في مدن أخرى.

المملكة العربية السعودية وأهمية تطبيق مفهوم المدن الذكية

في عام 1980م، كان عدد سكان المملكة العربية السعودية 9.32 مليون نسمة، وفي عام 2018 كان عدد السكان 26.30 مليون نسمة، أي بزيادة ثلاثة أضعاف، وتتوقع رؤية 2030 نمو التحضر بنسبة 97.6٪، ومن المتوقع أن يصل النمو السكاني السنوي إلى 31.457 مليون، ويضع هذا التوسع السريع عبئاً على التخطيط الذكي ويثقل قدرة البلد على إدارة السكان والموارد بكفاءة.

يجب أن تكون السياسات والخطط متوافقة مع المشهد المتنامي في المملكة، إلى جانب ذلك يجب أن تكون الأنظمة والاستراتيجيات متسقة مع ثقافة الأمة وأن تكون قابلة للاستمرار اقتصادياً، وفي هذا الصدد هناك حاجة للمملكة العربية السعودية لتطبيق مفهوم المدن الذكية، سيسمح هذا الابتكار للدولة بتبني أنظمة محسنة وفعالة مثل الذكاء الاصطناعي (AI) وإنترنت الأشياء (IoT)، وستمكّن هذه الأنظمة المملكة العربية السعودية من زيادة قابليتها للعيش وكفاءتها التشغيلية واستدامتها وسط توسعها السريع، وبناءً على ذلك أنشأت الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة الفريق الفني للمدن الذكية؛ لإعداد وتبني المواصفات القياسية الخاصة بالمدن الذكية حيث يشارك في الفريق الفني أعضاء من مختلف القطاعات (الحكومية، الخاصة، والأكاديمية) والمهتمين في مجال المدن الذكية وذلك تماشياً مع إطلاق وزارة الشؤون البلدية والقروية  لعدة مبادرات للمكونات الرقمية في مشاريع المدن الذكية، وهي كالاتي:

  • مبادرات الطرق
  • مبادرات الأنسنة
  • مبادرات المباني والمرافق العامة
  • مبادرات السيول
  • مبادرات إدارة النفايات

وتهدف المبادرة إلى تصميم وتنفيذ توجهات عامة وسياسات وطنية ومعايير للمدن السعودية الذكية إضافة إلى وضع استراتيجيات للخمس المدن الكبرى (العاصمة المقدسة، الرياض، المدينة المنورة، جد، الدمام) لتحويلها إلى مدن ذكية؛ وذلك ليساعد في تحقيق كفاءة عالية في إدارة المدن ورفع مستوى جودة الحياة وتحسين سهولة الحصول على الخدمات وجذب استثمارات مباشرة ورفع المستوى التنافسي للمدن السعودية وخلق فرص عمل للسكان.

*مدير إدارة مواصفات الخدمات – الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة

Comments (0)
Add Comment