تشهد منتجات الحلال نمواً اقتصادياً متزايداً مع تزايد أعداد المسلمين في مختلف أنحاء العالم، والذين يمثلون ربع سكان العالم تقريباً، حيث يقدّر حجم أسواق وتجارة المنتجات الحلال بأكثر من 2.3 تريليون دولار بحسب إحصائيات نُشرت مؤخراً.
وبحسب التقارير الصادرة عن منظمة التعاون الإسلامي فإن منتجات الأغذية والمشروبات تستحوذ على نحو 67 % من حجم التجارة في منتجات الحلال بما قيمته 1.4 ترليون دولار تقريباً، فيما يستحوذ قطاع الصيدلانية على 22 % من هذه التجارة أي ما يعادل 506 مليارات دولار، في حين تشكل منتجات التجميل والعناية الشخصية نسبة 11 % وبما يعادل 230 مليار دولار.
وأشارت التقارير أيضاً إلى أن 75 % من المنتجات الغذائية الحلال يتم استيرادها من دول غير إسلامية.
التطور المتسارع لمنتجات الحلال يواجهه تعدد الجهات العاملة على منح وإصدار شهادات وعلامات الحلال مع اختلاف المرجعيات الفقهية من بلد لأخر حيث تعمل في هذا المجال 122 هيئة حكومية وغير حكومية ومساجد محلية وفقاً لمنظمة التعاون الإسلامي.
ومن أبرز الجهات الفاعلة في منح وإصدار شهادات وعلامات الحلال معهد المواصفات والمقاييس للدول الإسلامية (سميك) الذي يضم في عضويته 34 دولة، والهيئة الإسلامية العالمية للحلال التابعة لرابطة العالم الإسلامي، بالإضافة إلى مركز الاعتماد الخليجي.
ويرى بعض الخبراء والمختصين أن الاتفاق على معايير ونظام موحد لاعتماد وإصدار شهادات المنتجات الحلال أصبح ضرورة لمنح المصداقية وبناء الثقة في المنتجات الحلال لدى المستهلك المسلم.
وعلى المستوى الدولي شكلت المنظمة الدولية للتقييس (ISO) لجان فنية في هيئاتها تختص بمنتجات حلال لكنها لم تصدر أي مواصفة قياسية فنية خاصة بهذه المنتجات فيما إصدار واعتماد شهادات الاعتماد والمطابقة لاتزال غير منظمة وبعيدة عن أطر الرقابة وتعمل كل هيئة في مختلف البلدان وفقا لتقديراتها الخاصة.
من جهة أخرى لم يعد مفهوم منتجات ”حلال” مقتصراً على قطاع الأغذية والمشروبات بل يشمل العديد من القطاعات والمجالات مثل المنسوجات ومنتجاتها ومستحضرات التجميل والأدوية والمكملات الغذائية وغيرها من المنتجات، فضلاً عن الصيرفة والتمويل الإسلامي وكذلك الفنادق والسياحة العائلية التي تتوافق مع معايير الشريعة الإسلامية حتى أن هذه المنتجات أصبحت قطاع عالمي كون عدد المستهلكين يصل إلى 1.8 مليار مسلم وهم يحرصون على شراء المنتجات التي تراعي معتقداتهم الدينية والتي لا تخالف الشريعة الإسلامية.
ازدياد منتجات الحلال
رئيس مجلس الغذاء والتغذية الإسلامية الأميركي (ايفانيكا) محمد شودري أوضح أن هذه المنتجات تزداد لأن عدد المسلمين يزيد بمعدل 2.5 إلى 3% كل عام كون الإسلام هو أسرع الأديان نمواً.
وقال أن العديد من المنتجات المطابقة للشريعة بطبيعتها تصنف الآن على أنها حلال ما يسهم في زيادة حجم اقتصاد الحلال.
وأكد شودري في تصريح صحفي في منتدى الاقتصاد الإسلامي الذي عقد في دبي ”عندما نتحدث عن نمو اقتصاد الحلال بنسبة 20%، فإن ذلك يعني تحوله من اقتصاد عشوائي إلى اقتصاد حلال مؤكد وموثق”.
مبيناً أن ارتفاع الطلب على المنتجات الحلال دفع بالشركات والمطاعم والفنادق في أنحاء العالم إلى السعي من أجل تلبية احتياجات الزبائن المسلمين.
وأضاف بأن ”دول مثل اليابان وكوريا تقود الطريق لتحويل مطاعمها وفنادقها إلى أماكن تقدم المنتجات الحلال حتى تتمكن من استقطاب المزيد من السياح من الدول الإسلامية”.
منتدى دولي للحلال
عشر دول منها خمس إسلامية هي السعودية والإمارات ومصر وفلسطين وباكستان وغير إسلامية هي أمريكا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وإسبانيا أعلنت منتصف العام الماضي 2016م عن تأسيس منتدى دولي لهيئات اعتماد الحلال هو الأول من نوعه في العالم ومقره في دبي بهدف توحيد معايير وإجراءات صناعة الحلال بين الجهات الدولية المتخصصة عبر منصة موحدة.
وفي نوفمبر من العام الماضي 2016م أعلن وزير الدولة رئيس مجلس إدارة هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس «مواصفات» الدكتور راشد أحمد بن فهد في اجتماع الجمعية العمومية الأول الذي تم فيه اختيار دولة الإمارات العربية المتحدة رئيساً للمنتدى عن انضمام 16 جهة دولية للمنتدى ليصبح أعضاء المنتدى 26 جهة، مشيراً إلى أن هذه الجهات تغطى 80% من التجارة العالمية للأغذية.
ويركز المنتدى على تحقيق أربعة أهداف رئيسة، تتمثل في توحيد الممارسات والإجراءات المتعلقة بالاعتماد، وتقييم المطابقة في مجال الحلال، بما يضمن مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية، وتوفير منظومة للاعتراف المتبادل بين هيئات الاعتماد الأعضاء، لتسهيل التجارة الدولية في مجال الحلال، ودعم وتعزيز قطاع صناعة الحلال، إضافة إلى دعم الأعضاء في بناء البنية التحتية، لتقييم المطابقة الحلال لتلبي احتياجاتها.
منتجات الحلال في السعودية
المملكة العربية السعودية ومن خلال اللجنة السعودية للاعتماد تساهم وتدعم إعلان مواصفات قياسية موحدة للمنتجات وفقاً لمعايير الشريعة الإسلامية حيث شاركت اللجنة السعودية للاعتماد في دعم وتأسيس المنتدى الدولي لهيئــــــات اعتماد الحـــــــلال الذي أُعلن في مايو عام 2016 في دبي.
وتستورد المملكة سنوياً أغذية ومنتجات حلال فقط تتجاوز قيمتها 100 مليار ريال أي ما يعادل (26.6 مليار دولار)، باعتبارها السوق الأكبر في الشرق الأوسط، فضلاً عن النمو السكاني وانتعاش قطاع السياحة الدينية في المملكة، خصوصاً في موسم العمرة بشهر رمضان وموسم الحج، حيث يزيد عدد زوار المملكة في هاتين المناسبتين عن 5 ملايين حاج ومعتمر.
وتهتم المملكة بمواصفات القياس والجودة، وتتعامل بمنتهى الحزم مع أي تجاوز يتعلّق بقطاع الغذاء والدواء، وتشترط القوانين المنظمة استخدام المواد الحلال كافة، سواء في الأطعمة أو المشروبات أو الألبان والأدوية”.
تحظى السعودية بسمعة عالمية في هذا الصدد، وتسعى لتأمين حاجات المسلمين في أوروبا وأميركا وبلدان شرق آسيا من المنتجات الحلال، وكذلك غير المسلمين ممّن يسعون لغذاء صحي وآمن وخالٍ من أية مسببات للأمراض، وهو ما يتوافق مع قواعد الشريعة الإسلامية المنظمة للطعام والشراب.
وفي السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي مانع المزيني أن تكاملية القطاع الاقتصادي أسهمت في نمو قطاع الأغذية والمشروبات في المملكة، ومن خلال اتساع شبكة الطرق وجاهزيتها، وتنوّع وسائل النقل، مع توفير الحلول العملية للتخزين، وضمان جودة المنتج بالاعتماد على الخبرات العالمية في هذا الشأن.
ويضيف المزيني: لدينا في السعودية قواعد وضوابط صارمة لضمان ”حلال” المأكل والمشرب، بحيث تتفق مع قواعد الشريعة، خاصة مع توسع بعض الدول في إضافة الكحول ومنتجات الخنزير ضمن تكنولوجيا الغذاء.
ويتم تشديد الرقابة في الموانئ التي تستقبل الأغذية المستوردة، وكذلك المعامل والمختبرات التي تفحص العينات، وهو ما زرع الثقة في نفوس السعوديين، وكذلك المسلمين المستوردين للأطعمة والأغذية من السوق السعودي، وجعل صناعة الحلال تنمو وتزدهر بشكل مطّرد.
وخلال زياته إلى الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة أوضح الرئيس السابق للمنظمة الدولية لاعتماد المختبرات (ILAC) بيتر أنغر أن المواصفات القياسية الخاصة بمنتجات ”حلال” موجودة والتحدي الحقيقي أمام منتجات الحلال هو الوصول إلى الاعتراف الكامل والقبول والتقارب مع المواصفات الموجودة في السوق الدولية.
مواصفات الحلال
وبحسب الهيئة الإماراتية للمواصفات والمقاييس ”مواصفات” فإن المواصفات الخاصة بمنتجات ”حلال” تتضمن فصل المنتجات الغذائية ”الحلال” عن المنتجات غير الحلال خلال عمليات تخزين البضائع، والأنشطة ذات العلاقة، فضلاً عن تطبيق مواصفات قياسية محددة في عمليات النقل، أهمها تخصيص شاحنات منفصلة لنقل المنتجات الغذائية ”الحلال”.
وأوضح المهندس عبدالله المعيني مدير عام الهيئة في تصريح صحفي أن هناك مواصفات تتعلق بقطاع التموين، وبعمليات إعداد الطعام، أهمها أن يتم الإعداد من دون استخدام منتجات محرمة على المسلمين مثل الكحول، ولحم الخنزير، فضلاً عن استخدام معدات منفصلة في طهي المنتجات الغذائية ”الحلال”.
وأكد وجود مواصفات تطبق على بعض أنواع الأطعمة، تتضمن طهي بعض المنتجات غير الحلال في مطابخ منفصلة تماماً عن المنتجات ”الحلال”.
وتابع أن مواصفة ”عرض المنتجات الغذائية الحلال” تتضمن أموراً فنية أهمها الفصل في العرض بين المنتجات الحلال وغير الحلال، بحيث لا يتم عرض الإثنين بشكل متلاصق أو مجاور في منافذ البيع و”السوبر ماركت”.
وشدد المعيني على أن مواصفات المنتجات ”الحلال” ليست مجرد لافتة توضع على مدخل مطعم معين بهدف اجتذاب السياح والزوار المسلمين والجاليات الإسلامية، بل مجموعة متكاملة من الإجراءات والمتطلبات اللازم توافرها، للتحقق من سلامة هذه المنتجات خلال العمليات الداخلية، من الاستقبال حتى التوزيع، إضافة إلى متطلبات التأكد من سلامة المنتجات في مرحلة تجارة التجزئة، لضمان تأكيد مطابقتها لاشتراطات ”الحلال”.
مركز الاعتماد الخليجي
يقدم مركز الاعتماد الخليجي GAC خدمات الاعتماد لجهات منح شهادات الحلال حسب المواصفة الخليجية GSO 2055-2 الصادرة في 2015، كما يسعى المركز إلى توحيد إجراءات اعتماد الجهات المانحة لشهادات (الحلال) على المستوى الخليجي، نظراً لوجود اختلاف على المستوى العالمي في مجال قبول شهادات (الحلال) ومتطلبات الاعتماد.
وأنشئ مركز الاعتماد الخليجي بتاريخ 8 مايو 2013م ككيان قانوني للدول الأعضاء (دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجمهورية اليمنية)، وتحت إشراف هيئة التقييس لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومجلس إدارة الهيئة.
وقد استقل المركز رسمياً بموجب قرار مجلس إدارة الهيئة في اجتماعه الثالث والعشرين (الرياض، 12 مايو 2016م) بفصل مركز الاعتماد الخليجي عن الهيئة بهدف منح المركز استقلالية وحيادية تامة.
وتجدر الإشارة إلى أن المركز حصل على الاعتراف الدولي بخدمات المنظمات الدولية والإقليمية للاعتماد في شهر يونيو 2016م وهو إنجاز كبير أشادت به المنظمات الدولية، كما أصبح مركز الاعتماد الخليجي أول جهاز عالمي يقوم باعتماد جهات منح الشهادات الحلال وذلك وفق المواصفات القياسية الخليجية في مجال الحلال، والممارسات الدولية ذات العلاقة بكفاءة عمل هذه الجهات والمواصفات القياسية الدولية ذات العلاقة.