تهدف قوانين سلامة الغذاء إلى توفير مستوى عالٍ من الحماية الصحية للمستهلكين من الإصابة بالأمراض المنتقلة عن طريق الأغذية وتمنع بشكل عام استيراد وتوزيع المنتجات الغذائية الملوثة أو المغشوشة أو التي تحمل ملصقات زائفة أو مضللة في أي سياق. وقد أدت عولمة تجارة الغذاء والأحداث المتكررة المتعلقة بالأمراض التي تنتقل عن طريق الأغذية إلى زيادة الوعي بأهمية وضع أطر تنظيمية متكاملة ومنسقة وآليات لمراقبة سلامة الأغذية على المستويين الوطني والدولي من أجل حماية صحة المستهلك دون خلق حواجز وعوائق غير ضرورية أمام التجارة الدولية.
وأدى ازدياد الطلب على المنتجات الغذائية الطبيعية والعضوية بالإضافة إلى القلق بشأن استخدام الملوثات المكروبيولوجية والكيميائية في السلسلة الغذائية والمضافات الغذائية الاصطناعية والمبيدات والأدوية البيطرية إلى ازدياد الوعي بأهمية تطوير أنظمة وآليات فعالة للرقابة على الأغذية مبنية على الوقاية، وقائمة على أسس علمية لحماية المستهلك من الأغذية المغشوشة والفاسدة.
الممارسات الصحية الجيدة ومبادئ تحليل المخاطر
يتم استخدام الممارسات الصحية الجيدة (GHP) وتحليل المخاطر ونقاط التحكم الحرجة (HACCP) من قبل مصنعي الأغذية لمنع انتشار الأمراض التي تنتقل عن طريق الأغذية وهي ممارسات معروفة وموصى بها عالمياً لضمان سلامة الأغذية. بالإضافة إلى ذلك، فمعايير إدارة سلامة الغذاء لمنظمة التقييس الدولية (ISO) تساعد الشركات على تحديد المخاطر ومراقبة سلامة الأغذية.
وتقوم العديد من البلدان بتطوير أنظمة لسلامة الأغذية مبنية على الوقاية من أجل الاستجابة بشكل أفضل لقضايا سلامة الأغذية. فعلى سبيل المثال، فقانون تحديث سلامة الغذاء (FSMA) الذي أصدرته إدارة الغذاء والدواء (FDA) في الولايات المتحدة ينص على وجود الضوابط الوقائية على أساس المخاطر و قائمة على أسس علمية عبر السلسلة الغذائية (من المزرعة إلى الطاولة) بالإضافة إلى تحليل المخاطر، وكذلك تطبيق طرق حديثة للتفتيش مثل: تكرار الفحص الصادر بناءً على مخاطر المنشآت الغذائية، حرية الوصول إلى السجلات، واجراء الفحص في مختبر معتمد. بالإضافة إلى ذلك، قامت إدارة الغذاء والدواء بتطوير آليات الاستجابة مثل الاستدعاء الإلزامي وتعليق التسجيل وتحسين قدرات تتبع المنتجات. ويعزز القانون أيضًا سلطة الـ (FDA) من خلال: مسائلة المستورد، طلب شهادة الطرف الثالث، وشهادات إضافية للأغذية العالية الخطورة.
أمثلة لأنظمة منسقة في ضمان سلامة المنتجات الغذائية
هناك العديد من الأنظمة المنسقة تساهم في ضمان سلامة المنتجات الغذائية المنتجة محلياً، المستوردة والمصدرة.
تعمل هيئة الدستور الغذائي (CAC)، وهي هيئة حكومية دولية شكلت من قبل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) ومنظمة الصحة العالمية (WHO) لوضع معايير دولية للأغذية وتطويرمواصفات طوعية لسلامة الغذاء ومبادئ توجيهية ومدونات متعلقة بأفضل الممارسات للبلدان الأعضاء والتي يتم ترجمتها إلى تشريعات أو لوائح وطنية أو استخدامها كمرجعية عند وضع قوانين غذائية وطنية تهدف إلى حماية صحة المستهلك وتيسير تجارة الأغذية. بموجب تطبيق اتفاقية إجراءات الصحة والصحة النباتية، أصبحت مواصفات الدستور الغذائي مرجع لتسوية النزاعات في إطار منظمة التجارة العالمية.
وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، في عام 2002م، تم وضع اللائحة (2002/178 EC No) المبادئ العامة والمتطلبات الخاصة بقانون الأغذية (اللائحة العامة لقانون الغذاء) التي تشكل أساس قانون الغذاء والأعلاف في الاتحاد الأوروبي وعلى المستوى الوطني. ويضع القانون المبادئ العامة والمتطلبات والإجراءات في مسائل سلامة الأغذية والأعلاف، ويتضمن جميع مراحل إنتاج وتوزيع الغذاء والأعلاف. كما أُنشئت الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية (EFSA) كهيئة مستقلة مسؤولة عن المشورة والدعم العلمي ووضعت الإجراءات والأسس الرئيسية لإدارة حالات الطوارئ والأزمات وكذلك نظام التنبيه السريع للأغذية والأعلاف (RASFF).
في دول مجلس التعاون الخليجي، هناك عمل مستمر بين هيئة التقييس لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية (GSO) والدول الأعضاء لتنسيق المواصفات القياسية والتشريعات الغذائية وتوفير نظام رقابة وتَخْلِيصُ البَضَائِع للأغذية المستوردة. ويهدف دليل دول مجلس التعاون للرقابة على الأغذية المستوردة (2017) الذي يستند إلى مراجع دولية مثل الدستور الغذائي ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة والمنظمة العالمية لصحة الحيوان، إلى توحيد وتسهيل عمليات الاستيراد وتفتيش الإرساليات الغذائية المستوردة، اعتمادًا على درجة المخاطر على الصحة. والدليل، الذي هو قائم على أسس علمية، يحتوي على نموذج كيفية التخليص الجمركي بناء على تقدير معايير المخاطر، باستخدام نظام تصنيف يعتمد على درجة الخطر على الصحة العامة (عالية أو متوسطة أو منخفضة) وأيضًا يؤخذ بعين الاعتبار التسلسل التاريخي في استيراد هذه الأغذية ومطابقتها للمعايير، بالإضافة إلى المخاطر الجديدة في السلسلة الغذائية. ويقوم الدليل بتنسيق متطلبات التوثيق والشهادات المطبقة على الأغذية المستوردة (مثل الشهادة الصحية).
منذ تنفيذ الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون في عام 2003م، تعتبر الإجراءات الجمركية ومتطلبات التوثيق، من حيث المبدأ، هي نفسها بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون. وفي عام 2015م، تم اعتماد الدليل الموحد لإجراءات الجمارك لتسهيل وتبسيط الإجراءات الجمركية ومتطلبات التوثيق في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بموجب مبدأ “نقطة الدخول الواحد“.
ويهدف نظام الإنــذار الخليجــي الســـريع للغــذاء (GCC–RASFF) إلى تسهيل وتسريع تبادل المعلومات بين الجهات الحكومية المعنية بدول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بالبلاغات والإنذارات المرتبطة بسلامة الغذاء والأسطح الملامسة للغذاء، من أجل اتخاذ الإجراءات الوقائية الضرورية لضمان حماية صحة المستهلك من الأغذية غير المأمونة.
وهناك أهمية كبيرة في أن تستمر دول مجلس التعاون في بناء منظومة تشريعات وآليات موحدة وتوحيد التشريعات الغذائية لتعزيز سلامة الأغذية وتسهيل التجارة بين الدول وتشجيع الاستثمارات. وكذلك هناك حاجة كبيرة على أن تشارك دول مجلس التعاون وهيئة التقييس لدول مجلس التعاون بفعالية في اجتماعات لجان الدستور الغذائي وبالأخص في الاجتماع الإقليمي للجنة التنسيق للدستور الغذائي في الشرق الأدنى ولمنح خبرتها الرائدة في تطوير معايير سلامة الغذاء ومواصفات إقليمية للمنتجات الغذائية التي بحاجة إليها منطقة الشرق الأدنى لضمان سلامة الغذاء والتي بالإمكان أيضاً اعتمادها على المستوى الدولي.
ويجب أيضاً دعم المشاركة في المبادرات الإقليمية التي تهدف إلى توافق نظم سلامة الغذاء المطبقة في المنطقة العربية وفي سبيل المثال مبادرة SAFE التنموية لتعزيز القدرات التجارية الإقليمية في السلع الغذائية في المنطقة العربية من خلال تدعيم وتوافق نظم تقييم مطابقة وسلامة الغذاء. وتركز هذه المبادرة على التنسيق والتوافق بين البلدان العربية في مجالات تقييم المخاطر، ونظام الإنذار السريع للأغذية والأعلاف، تطبيق الدستور الغذائي، ونظم التفتيش وإصدار الشهادات، وآليات تقييم البلدان. يتم تنفيذ المشروع في سياق تعاون إقليمى – دولي مشترك من خلال الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وبدعم تقني من منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO) ومشاركة المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين (AIDMO) والمنظمة العربية للتنمية الزراعية (AOAD) كشركاء تنفيذين للمشروع وبتمويل الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي (SIDA).
أهمية دور الدستور الغذائي في تطوير التشريعات في دول الشرق الأدنى**
تساهم المواصفات القياسية الدولية للأغذية والخطوط التوجيهية ومدونات الممارسات الصادرة عن الدستور الغذائي في سلامة التجارة الدولية بالأغذية وفي جودتها وإنصافها.
وتعمل هيئة الدستور الغذائي، وهي هيئة حكومية دولية شكلت سنة 1963م من قبل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية لوضع معايير دولية للأغذية وتطوير مواصفات قياسية طوعية لسلامة الغذاء ومبادئ توجيهية ومدونات متعلقة بأفضل الممارسات للبلدان الأعضاء.
وتتألف هيئة الدستور الغذائي حالياً من 189 عضو، 225 منظمة من منظمات الأمم المتحدة – 56 منظمة دولية حكومية 153 منظمة غير حكومية.
ومواصفات الدستور الغذائي هي بمثابة توصيات ومبادئ توجيهية يطبقها الأعضاء طوعاً ويتم ترجمة هذه التوصيات إلى تشريعات أو لوائح وطنية ويمكن استخدامها كمرجعية عند وضع قانون غذاء وطني يهدف إلى حماية صحة المستهلك وتيسير تجارة الأغذية. وعلى سبيل المثال، تستند لوائح المضافات الغذائية في معظم البلدان عبر العالم إلى معيار الدستور الغذائي للمضافات الغذائية.
وأصبحت أيضاً مواصفات الدستور الغذائي مرجع لتسوية النزاعات في إطار منظمة التجارة العالمية.
وترتكز مواصفات الدستور الغذائي على أسس علمية سليمة تقدمها أجهزة دولية مستقلة معنية بتقييم المخاطر كالـ JECFA ، أو مداولات مخصصة بتنظيم من منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية ويشمل الدستور الغذائي مواصفات لجميع الأغذية الرئيسية، سواء كانت مجهزة، أم شبه مجهزة أم مخصصة لتوزيعها على المستهلكين. وقد وضع الدستور الغذائي مواصفات قياسية لحوالي 200 منتج غذائي، ولديه أكثر من 120 مجموعة من الخطوط التوجيهية ومدونات الممارسات في المسائل المرتبطة بسلامة الأغذية وجودتها.
وتنقسم مواصفات الدستور إلى نوعين:
1) المواصفات العامة: وهي التي تنطبق على المنتجات وفئات المنتجات كلها. وتتناول تلك النصوص عادة ممارسات النظافة والتوسيم والمواد المضافة إلى الأغذية والتفتيش وإصدار الشهادات. والتغذية ومخلفات العقاقير البيطرية والمبيدات.
2) مواصفات سلع تتعلق بمنتج محدد، مع أن الدستور الغذائي يعمل أكثر فأكثر على وضع مواصفات لمجموعات الأغذية، أي على سبيل المثال، مواصفة عامة واحدة لعصائر الفاكهة.
قائمة لجان الدستور الغذائي*** تتضمن:
هيئة الدستور الغذائي واللجنة التنفيذية لهيئة الدستور الغذائي.
اللجان المعنية بمواضيع عامة كلجنة الدستور الغذائي المعنية بالملوثات في الأغذية، لجنة الدستور الغذائي المعنية بالمواد المضافة إلى الأغذية، لجنة الدستور الغذائي المعنية بالتغذية والأغذية للاستخدامات التغذوية الخاصة.
- لجان السلع الأساسية كلجنة الدستور الغذائي المعنية بالحبوب والبقول والحبوب البقولية، لجنة الدستور الغذائي المعنية بالدهون والزيوت، لجنة الدستور الغذائي المعنية بالتوابل والأعشاب العطرية.
- خمس لجان تنسيق بين منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية وهي لجان التنسيق في أفريقيا، آسيا، أوروبا، أمريكا اللاتينية والكاريبي، أمريكا الشمالية وجنوب غرب المحيط الهادئ، وفي الشرق الأدنى.
صياغة مواصفات الدستور الغذائي:
تتقدم حكومة وطنية أو لجنة فرعية تابعة لهيئة الدستور الغذائي عادة باقتراح وضع مواصفة قياسية . ومن ثم تعدّ وثيقة للمناقشة تصف الأمور التي يتوقع من المواصفات المقترحة أن تحققها، ومن ثم تقدّم وثيقة مشروع تتضمن الإطار الزمني للعمل ودرجة أولويته.
تراجع الهيئة وثيقة المشروع وتقرر ما إذا كان ينبغي صياغة المواصفة بحسب ما هو مقترح ثم تقوم أمانة الهيئة بإعداد مشروع مواصفة مقترحة وتوزعه على الحكومات الأعضاء والمنظمات المشاركة بصفة مراقب واللجان الأخرى للدستور الغذائي كي يخضع لجولتين من إبداء التعليقات والمشورة الخاصة. قد يستغرق إنجاز المواصفات أعواماً. وحالما يتم اعتماد مواصفة للدستور الغذائي من قبل الهيئة، تضاف إلى الدستور الغذائي وتنشر على موقعها الإلكتروني.
عند المقتضى، تخضع المواصفة أو النص المتصل بها إلى التعديل أو الحذف، لضمان اتساقها مع المعارف العلمية المعاصرة بالتماشي مع الإجراءات الخاصة بوضع مواصفات الدستور الغذائي والنصوص ذات الصلة.
لجنة التنسيق للدستور الغذائي في الشرق الأدنى:
يضم الإقليم 17 عضواً وتتيح اللجنة للأعضاء فرصةً للعمل معاً حول المواصفات الإقليمية والدولية وتبادل الآراء بشأن المسائل المتصلة بالدستور الغذائي. ويعمل الإقليم على بناء قدرات أعضائه في مجال تقييم المخاطر وتعزيز قدرات جهات الاتصال واللجان الوطنية للدستور الغذائي، من أجل تحديد الشواغل المتعلقة بسلامة الأغذية والتجارة بالأغذية وتحديد أولوياتها.
وعلى مر السنين تمت مناقشة العديد من المواصفات الإقليمية (مسودة) مثل المواصفة الإقليمية لحليب الإبل، وقد تم تقديم مقترحات لتصنيف وتسجيل الأغذية بالإضافة إلى مقترحات لمعايير إقليمية جديدة مثل اللبنة والزعتـر، ماء الزهر، ماء البرتقال.
وهناك حاجة كبيرة إلى مشاركة دول مجلس التعاون وهيئة التقييس لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بفعالية في اجتماعات ولجان الدستور الغذائي وبالأخص في الاجتماع الإقليمي للجنة التنسيق للدستور الغذائي في الشرق الأدنى والى الاستمرار في تنسيق اللوائح الخليجية على أساس مواصفات وتوصيات الدستور الغذائي.
*مؤسسة ومديرة R.A Consulting، وهي شركة استشارية متخصصة في مجالات الصحة والتغذية وسلامة الأغذية والتجارة الدولية.
**http://www.fao.org/fao-who-codexalimentarius/ar/
***http://www.fao.org/fao-who-codexalimentarius/committees/ar/