عملت في القطاع الغذائي لسنوات طويلة في شركات دولية مرموقة كانت ولاتزال تمتلك حصة كبيرة في الأسواق الغذائية في دول مجلس التعاون الخليجي، وكان عملي دائماً يدور بالمجمل في فلك الشؤون التشريعية والتنظيمية والفنية، وكنت دائماً أسأل نفسي هذا السؤال.
لماذا تتوجس الجهات التشريعية في بعض دول المنطقة خيفةً من إشراك القطاع الخاص بشكل فعلي ممثلاً بكبار مدراء الشؤون التنظيمية والتشريعات وليس على شكل إجراء صوري في تطوير مشاريع اللوائح الفنية والمواصفات القياسية؟
بعض الجهات تعتقد أن نشر المشاريع النمطي في مواقعها الإلكترونية أو منصات الاستطلاع واستقبال الملاحظات يحقق الهدف المنشود، ولكن هذا الإجراء في الحقيقة غير كافٍ ولا يحقق الأهداف المرجوة منه، لأنه يكون في الغالب إجراء روتيني بحسب متطلبات النشر ليس إلا، دون الأخذ بعين الاعتبار للملاحظات الجوهرية الواردة على تلك المشاريع المنشورة، ويكون أحياناً في مراحل متأخرة من المشاريع التي تكون قد وصلت مراحل الإخطار الرسمي.
ومن المآخذ الكبرى التي بدأنا نراها مؤخراً على بعض مشاريع اللوائح الفنية والمواصفات القياسية هي المزج والدمج بين مراجع دولية متنوعة والاتجاه للبوصلة المتشددة من التشريعات أينما كانت لتضييق الخناق على المصنعين والمستوردين، وكذلك الحيود عن التناغم الإقليمي المعتاد الذي كان له إسهام بالغ في تسهيل ودعم التجارة البينية بين الدول الأعضاء والسوق الخليجية المشتركة، وهذه في الحقيقة ممارسة غير جيدة إطلاقاً لأنها تؤدي في نهاية المطاف إلى مزيد من التعقيدات في الإنتاج وزيادة كلفته على القطاع الغذائي بشقيه المحلي والمستورد بشكل غير منطقي خصوصاً في ظل الارتفاعات القياسية في أسعار المواد الخام ومدخلات الإنتاج. وحتى أكون منصفاً فأنا هنا لا أعمم عملاً بالمقولة الشهيرة “التخصيص لا يقتضي النكران”.
هناك نماذج ممتازة أسست لأرضية جيدة ومناخ مناسب لتعزيز مفهوم التشاركية الفعلية والشراكة الاستراتيجية مع القطاع الخاص كمحرك تنموي في المنطقة، وذلك يتمثل بالاستئناس برأي القطاع الخاص لتفادي أي معوقات عند التطبيق حيث أن الصناعات الغذائية من الصناعات الديناميكية والمعقدة والمتطورة بشكل متسارع، ويجب مراعاة ذلك فعلياً وعدم معاملتها أسوةً بالقطاعات الأخرى.
أرى بكل تجرد أن هيئة التقييس لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية نموذج ممتاز في هذا الأمر من واقع خبرة، ولا بأس أن تُستنسخ تجربتهم في هذا الأمر، وتعمم على هيئات التقييس والجهات التشريعية الأخرى في الدول الأعضاء.
كنا دائماً نتطلع لدور أكبر وأكثر فاعلية لتحقيق المصلحة العامة من باب سددوا وقاربوا، ولكن كنا نصطدم في بعض الأحيان بالبيروقراطية وروتين بعض الموظفين الذين شكلوا صورة ذهنية ونمطية غير جيدة بالمجمل عن القطاع الغذائي الخاص وعن تواجد ممثلين للقطاع حتى وإن قبلوا يكون ذلك على مضض، وهذا يتمثل بمصير كثير من اللجان الفنية المشتركة التي ذهبت أدراج الرياح، وهذا الأمر يجب أن يصحح تماشياً مع المرحلة الحالية التي تتطلب العمل مع القطاع الخاص يداً بيد تماشياً مع مرحلة التنمية المتسارعة في المنطقة لتحقيق تطلعات قادة دول مجلس التعاون الخليجي حفظهم الله التزاماً بتحقيق أهداف السوق الخليجية المشتركة.
*عضو اللجنة التنفيذية باللجنة الوطنية للإمداد الغذائي والتموين والإعاشة باتحاد الغرف السعودية، عضو لجنة التموين والإمداد الغذائي بالغرفة التجارية بالرياض، عضو اللجنة التجارية ورئيس لجنة السلع الانتقائية بغرفة الرياض، رئيس فريق عمل التنسيق الحكومي والمسؤولية الاجتماعية
ماشاء الله تبارك الرحمن الله يوفق الدكتور سعد كلام موفق❤️