أهمية التقييس في رفع كفاءة المنتج وتحسين جودته

أ.د. عبد الله محمد الشعلان

لا يخفى على أحدٍ ماللتقييس والمواصفات القياسية من أهمية كبرى في وضع الأسس والقواعد الكفيلة لأي نشاط يزاوله المجتمع في كافة أنشطته الاستهلاكية والتجارية والزراعية والصناعية لتطوير العمليات المرتبطة بتلك الأنشطة، مما يساعد في فتح آفاق جديدة نحو زيادة الكفاية الإنتاجية التي تساهم بدورها في خفض تكاليف الإنتاج، بالإضافة إلى تحسين نوعيته وتطوير جودته ورفع كفاءته كمًّا ونوعًا، إلى جانب التخفيف من الهدر والحد من التكاليف والخسائر، مما يساعد في زيادة فرص الاستثمار، والتسويق، والتوسع، والانتشار.

وبما أن التقييس وصناعة المواصفات القياسية يرتكز بشكل أساس على المبادئ الراسخة للمعرفة والمراس والتجربة والخبرة والتطوير والابتكار، إلى جانب اكتساب التجارب الحديثة وتبني التقنيات المستجدة، فلعل ما سيتم تقديمه في هذا العرض من تصورات ورؤى يسهم في ما نأمله جميعًا نحو تحقيق الأهداف الوطنية والمجتمعية التي تتوخاها الدولة في مسيرتها التنموية الحثيثة ورؤيتها المستقبلية البصيرة، ومنها على سبيل المثال ما يختص بدور الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة في هذا المجال، والتي يمكن تلخيصها وعرضها في الحيثيات التالية:

أولا: القطاع السكني:

القطاع السكني (أو المستهلك النهائي) هو ما تحرص المواصفات القياسية على توفير كافة الظروف والإمكانات التي تكفل سلامته وتضمن كفاءة وحسن أداء الأجهزة والمعدات التي يستخدمها ويتعامل معها في مختلف أنماط حياته. ولقد روعي في إعداد المواصفات القياسية ذات العلاقة بالمستهلك السكني اعتبارات وجوانب متعددة تنحصر على سبيل المثال في توعيته وتعريفه بماهية وأهمية بطاقات كفاءة الطاقة الملصقة بالمنتجات الاستهلاكية والكيميائية والكهربائية والميكانيكية مما يساعد التاجر في عملية التسويق، ويسهل على المستهلك عملية الشراء.

كما روعي في إعداد المواصفات القياسية الاهتمام والتحقق من مستوى كفاءة الأجهزة والمعدات وضمان أعلى مستويات السلامة عند تشغيلها واستخدامها، وإذا كانت ثمة أخطاء قد ترتكب في بعض الحالات أثناء عمل التركيبات والإنشاءات في المباني فإن ذلك ناتج عن قيام أناس غير مؤهلين وغير مرخصين بمزاولة المهنة وتولي تلك الأعمال والمهمات، الأمر الذي يعكس آثارًا سلبية على سلامة تلك التركيبات والإنشاءات في المباني وتعاظم مخاطرها.

ثانيا: القطاع الصناعي:

يُعد القطاع الصناعي أحد القطاعات المهمة والمؤثرة لما له من علاقة وثيقة بالمنتجات الصناعية ولما عليه من معول كبير في تبني وتطبيق والالتزام ببنود المواصفات القياسية في تحسين المنتج الصناعي من نواح وجوانب متعددة كالتصميم والكفاءة والجودة والموثوقية والسلامة والبيئة. كما أن من المعروف عن القطاع الصناعي أنه أكبر مؤثر إيجابي من حيث استهلاك الطاقة الكهربائية فهو يستطيع أن يزيح متطلباته الكهربائية إلى خارج أوقات الذروة الأمر الذي تستفيد منه جهة الإمداد (شركة الكهرباء) في استهلاك الطاقة في فترات انخفاض الأحمال.

ثالثا: القطاع التجاري:

القطاع التجاري هو ذلك القطاع الذي يعهد له باستيراد المنتجات الصناعية والسلع الاستهلاكية التي يقوم المستهلك (المواطن والمقيم) باستهلاكها أو استخدامها والاستفادة منها في ممارساته اليومية وأنشطته العملية، ولذا تقوم الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة من جانبها ومن منطلق مسئولياتها بالتأكيد على المستوردين باستيراد تلك المنتجات والسلع التي تحقق رضا المستهلك وتوقعاته وتضمن راحته وأمنه وسلامته، ومنها ضرورة الحصول على شهادات المطابقة التي تفيد مطابقة المنتجات المراد تصديرها إلى المملكة للمواصفات القياسية السعودية الخاصة بتلك المنتجات.

رابعًا: القطاع التعليمي (الجامعات والمؤسسات التعليمية):

لا شك أن تضمين التقييس في برامج ومناهج وخطط التعليم على المستويين الجامعي والدراسات العليا يصب في مصلحة اقتصادنا الوطني ويعزز من توجهات مملكتنا نحو اقتصاد المعرفة واستثماره في مجالات التصنيع وتحسين المنتج الصناعي إلى جانب تطوير القدرات البشرية والملكات الذاتية والمهارات الإبداعية لدى خريجينا من شباب جامعاتنا المرموقة. كما سيعمل على تأهيل المهندسين بما يساعدهم في استيعاب المواصفات القياسية ونشر ثقافة التقييس والمواصفات القياسية بين أوساط الطلاب والمتعلمين في الجامعات والمؤسسات العلمية لإحاطتهم وتعريفهم بأهمية المواصفات القياسية الصادرة بشأن المنتجات الصناعية في شتى أشكالها وأنواعها الميكانيكية والكهربائية والإنشائية والكيميائية ومن ثم تضمينها في مشاريعهم البحثية ورسائلهم العلمية.

خامسا: الجهات المعنية حول تطبيق المواصفات القياسية:

يقصد بالجهات المعنية هنا وزارة الطاقة ووزارة الصناعة والثروة المعدنية وهيئة تنظيم الكهرباء والشركة السعودية للكهرباء إلى جانب بعض الجهات المعنية الأخرى مثل وزارة الشؤون البلدية والقروية وتحلية المياه ومديرية الدفاع المدني والمكاتب الاستشارية الهندسية والمختبرات المعتمدة. لذا تقوم الهيئة بالتنسيق والتعاون مع تلك الجهات حول التفاهم حول كيفية تطبيق المواصفات القياسية في شتى المناحي ذات المساس بالمستهلك والارتباط بحياته وبيئته ومتطلبات أمنه وسلامته.

اقتراحات وتوصيات:

فيما يلي يمكن ذكر بعض الاقتراحات والتوصيات التي من شأنها أن تكون ذات أهمية لكل قطاع أو جهة من القطاعات والجهات التي تم استعراضها آنفا لتتبناها وتأخذ بها الهيئة الموقرة في مسيرتها الحثيثة والدؤوبة نحو إعداد المواصفات القياسية التي تمس تلك القطاعات والجهات، وتتلخص في النقاط التالية:

تعريب المصطلحات الفنية وتعريفاتها:

من المعروف أن الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة  دأبت منذ إنشائها عام 1392 هـ على ترجمة الكثير من المواصفات القياسية المعتمدة من الهيئات الدولية (من أهمها على سبيل المثال اللجنة الكهرتقنية الدولية (IEC) والمنظمة الدولية للتقييس (ISO) لشتّى أنواع المنتجات والمعدات الكهربائية ويتم مراجعتها وتدقيقها من قبل لجنة مصطلحات فنية متخصصة لهذا الغرض، وحرصًا من الهيئة على إنجاح عملية ترجمة المواصفات القياسية فقد سعت إلى إلحاق كل مواصفة بقائمة من مصطلحاتها الفنية، وكان لها تعاون وتنسيق سابقين في هذا المجال مع دول مجلس التعاون الخليجي ومع دول عربية أخرى في مجال تعريب المصطلحات الفنية وتوحيدها بل وتجاوز ذلك إلى إيصال تلك المصطلحات المُعرَّبة إلى موقع الإلكتروبيديا (Electropedia) الخاص بالمصطلحات التقنية العالمية (IEV) التابع للجنة الدولية الكهروتقنية (IEC) لتحتل مكانا مرموقا ضمن المصطلحات التقنية لعشر دول أوروبية أخرى.

تضمين المواصفات القياسية في التعليم الجامعي:

التركيز في الخطط التعليمية وأطروحات الدراسات العليا على مفاهيم السلامة وتصميم المعدات لأن تكون ذات كفاءة عالية وأداء آمن حسب ما تنص عليه المواصفات القياسية الصادرة في هذا الشأن من الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة (SASO). كذلك الاهتمام بالطاقات البديلة (الطاقة النووية) والطاقات المتجددة (الشمسية والرياح) بالتعاون والتنسيق مع مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة بحيث يُرجع في كثير من مفاهيمها وتوجهاتها نحو تبني وتطبيق المواصفات القياسية السعودية ذات العلاقة بتلك الطاقات وأنواعها. أيضا  كذلك تشجيع وتحفيز مشاركة أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية للإفادة من تخصصاتهم العلمية في الكثير من أعمال وأنشطة اللجان الفنية المشكلة في الهيئة (استشارات، إعداد كودات، اعتماد مواصفات، ترجمة مواصفات، تعريب مصطلحات فنية، مشاركات في لجان متخصصة، إلخ)، كذلك مشاركتهم في إعطاء محاضرات علمية وإعداد ورش عمل تدريبية، بالإضافة إلى المشاركة في عمل دراسات وأبحاث فيما يدعم المواصفات القياسية ويعزز الجوانب التطبيقية منها.

تطوير القطاع الصناعي:

العمل على إلزام المصانع الوطنية بتبني وتطبيق المواصفات القياسية بل وحثها على  إنشاء أقسام خاصة بتطبيق المواصفات القياسية في مواقعها خاصة بضبط الجودة مستقلة عن إدارة الإنتاج تتولى مراقبة الجودة بالمصنع وترفع تقاريرها إلى الإدارة العليا بما يسهم بشكل فعال في تنمية وتطوير المنتجات الصناعية حيث يؤدي تطبيق المواصفات القياسية إلى تبسيط جميع العمليات الصناعية مع الحصول على إنتاج متجانس ومتماثل يساعد نحو فتح آفاق جديدة في الإنتاج الصناعي وإلى زيادة الكفاية الإنتاجية التي تسهم بدورها في خفض كبير في تكاليف الإنتاج مع تحسين في نوعيته وجودته وكفاءته إلى جانب الحد من الهدر والتخفيف من الخسائر. كذلك يتم تحفيز القطاع الصناعي لتبني وتطبيق التقنيات الحديثة والطرائق المستجدة في العمليات الصناعية الأمر الذي يساعد في تطويرها وتحسين إنتاجها ورفع كفاءتها كمًّا ونوعًا وبالتالي زيادة فرص الاستثمار والتسويق والتطوير والتوسع والانتشار.

مساندة القطاع التجاري:

تنص المواصفات القياسية السعودية على إجراء اختبارات على عينات مماثلة للمنتجات المراد توريدها أو تصنيعها داخليا بحيث لا يتم تداولها في السوق السعودي إلا بعد حصولها على الشهادات التي تؤكد اجتيازها تلك الاختبارات المطلوبة، كما تراعي تلك المواصفات الاهتمام بالجوانب المتعلقة بضبط الجودة مثل عمليات الفحص والمراقبة ومختبرات المطابقة ومختبرات المعايرة من أجل التأكد من استيفاء هذا القطاع للمتطلبات الضرورية التي من أهمها وجود آليات لضبط الجودة ودليل للجودة وضمان مصداقية التقارير التي تصدر عن تلك الجهات والسماح لمفتشي هيئة المواصفات بالتفتيش والمراقبة والاطلاع على التقارير والوثائق والسجلات في أي وقت وبدون سابق إنذار.

الاهتمام بالقطاع السكني:

يجب تشديد المراقبة والتفتيش على تلك التركيبات الكهربائية والتأكد من كفايتها وسلامتها وأن الذي قام بها أناس متمرسون مؤهلون أكفاء وفقًا للمتطلبات والاشتراطات الواردة في كود البناء السعودي. كذلك يقوم مختبر كفاءة الطاقة بمبنى هيئة المواصفات بدور أساس وحيوي في فحص واختبار بطاقات كفاءة الطاقة المطلوب من الصانع وضعها بشكل بارز على منتجاته الكهربائية للتأكد من مستوى كفاءتها ومدى مطابقتها للمواصفات القياسية السعودية الصادرة بشأنها وذلك قبل الإذن بفسحها والسماح بإدخالها لأسواق المملكة، وهذه البطاقات تهدف إلى توعية وتثقيف المستهلك وتزويده بأهم المعلومات الضرورية قبل عملية الشراء لمساعدته في اختيار الجهاز الأفضل أداءاً والأقل استهلاكا للطاقة الكهربائية، وهي بطاقات تُـثبَّتُ بشكل بارز على الأجهزة الكهربائية المنزلية شائعة الاستخدام مثل المكيفات والغسالات والنشافات والثلاجات.

بالنسبة للجهات المعنية:

الجهات المعنية هي تلك الجهات الحكومية الرسمية المذكورة آنفًا (في القسم الأول) التي يكون بينها تعاون وتشاور وتفاهم مع الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة في كيفية تطوير المواصفات وتحديثها وتحديد كيفية تبنيها وتطبيقها والالتزام بها من قبل الجهات المستفيدة، ويمكن لهذا التعاون والنسيق أن يتم من خلال المحاور التالية:

  • تصميم برامج وعقد وندوات وورش عمل تهدف للتوعية بكيفية تطبيق المواصفات في مجالاتها المتعددة.
  • تدعيم كود البناء السعودي (والذي يجري حاليًّا العمل على تطبيقه من قبل لجنة وطنية دائمة) بكوادر فنية متخصصة ومتمرسة ومؤهلة للقيام بالأعمال الموكلة لها حسب الطرق الفنية والأساليب المرعية عند تطبيق الكود حسب متطلباته المختلفة واشتراطاته الضرورية عند عمل التمديدات الكهربائية وتركيب وتشغيل الأجهزة والمعدات واستخدامها وصيانتها. كما أن هذه المتطلبات المشمولة في كود البناء السعودي يلزم تحديثها بين فترة وأخرى نظرًا لما يطرأ عليها من تغيرات ومستجدات طارئة.
  • افتتاح معاهد ومراكز تدريب لتخريج فنيين مؤهلين من الكفاءات الوطنية يكون بمقدورهم القيام بأعمال -على سبيل المثال- التركيبات والتمديدات الكهربائية لتأثيرها على صحة الإنسان وسلامته وسلامة أجهزته وممتلكاته.

مراجعة وتحديث المواصفات القياسية:

تتم مراجعة بعض المواصفات القياسية السعودية التي سبق اعتمادها من قبل وذلك من أجل تحديثها وإضافة بعض البنود إليها تبعًا للمستجدات الحديثة والتغيرات الفنية والتقنية التي تطرأ تباعًا في مجالات تصميم وتصنيع الأجهزة والمعدات الكهربائية، كما أن مراجعة ترجمات المواصفات القياسية يعتبر مهمًّا حيث إن بعض ترجمة المصطلحات الفنية تحتاج إلى تحديث أو تعديل من حيث الصياغة والمعنى والمدلول.

والآن، وبعد هذا الاستعراض نستطيع أن نتبين أن التقييس ومجالاته يمثل قاعدة هامة ودعامة قوية وركيزة صلبة للاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة، ولذا فهو جدير بأن يحظى بأكبر اهتمام من هيئة التقييس التي ما فتئت تقدم كافة الوسائل والسبل التي تكفل نُموَّه وتطوره وازدهاره وأن تهيئ له كل مقومات النجاح من خلال الهيئات والإدارات المعنية بالمواصفات والمقاييس والجودة بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية كي يستطيع أن يحقق الآمال العريضة التي علقت عليه ويؤدي الدور الفعَّال الذي أنيط به.

*جامعة الملك سعود

أ.د. عبد الله الشعلان
Comments (0)
Add Comment