نقيس اليوم لغدٍ مستدام

م. نواف بن إبراهيم المانع

يجتمع العالم في العشرين من مايو من كل عام للاحتفال باليوم العالمي للمترولوجيا، وهو يوم مخصص للاعتراف بالدور الحاسم الذي يلعبه علم القياس في العلوم والصناعة وحياتنا اليومية، حيث يشكل علم القياس حجر الأساس لجميع التجارب العلمية والعمليات الصناعية والمعاملات التجارية، فهو يضمن جودة المنتجات واتساقها، ويعزز السلامة، ويشجع على الابتكار.

وبهذه المناسبة يسر هيئة التقييس لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن تشارك الهيئات والمؤسسات المماثلة في دول العالم احتفالها بهذا اليوم، ويطيب لي أن أتقدم إلى جميع العاملين في هيئات التقييس الوطنية في الدول الأعضاء بشكل عام، والعاملين في نشاط المترولوجيا بشكل خاص، بخالص التهنئة وأطيب التمنيات.

في كل عام، يُخصص موضوع معين للاحتفال باليوم العالمي للمترولوجيا (علم القياس) يسلط الضوء على أحد جوانب علم القياس وتأثيره على العالم، وتعكس هذه المواضيع التطبيقات المتنوعة للمترولوجيا وتؤكد أهميتها عبر مختلف قطاعات المجتمع.

ونظراً لارتباط الاستدامة بمختلف مجالات القياس التي تؤثر وبشكل مباشر في تعزيز الاقتصاد العالمي وحماية البيئة، فقد تم اختيار شعار الاحتفال لهذا العام “نقيس اليوم لغدٍ مستدام”.

ويلعب علم القياس دورًا حاسمًا في جهود الاستدامة عبر مختلف الصناعات والقطاعات، ومن ضمنها “كفاءة الموارد”، حيث تساعد القياسات الدقيقة المؤسسات على تحسين استخدام الموارد، وتقليل النفايات والحفاظ على مصادر الطاقة وتحديد فرص التحسين وتنفيذ الممارسات المستدامة.

كما يلعب علم القياس دوراً مهماً في “خفض الانبعاثات” من خلال رصد ومراقبة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والملوثات، ويمكّن المنشآت الصناعية من تتبع تأثيرها البيئي، والامتثال للوائح، وتنفيذ استراتيجيات لتقليل الانبعاثات.

وتساعد القياسات الدقيقة على تحسين إنتاج الطاقة وتعزيز الموثوقية ودفع الابتكار في حلول “الطاقة المتجددة”، وذلك بتقييم أداء وكفاءة الألواح الشمسية وتوربينات الرياح وغيرها من التقنيات.

وتعتبر المقاييس جزءًا لا يتجزأ من إجراء تقييمات “دورة حياة المنتجات” لتقييم تأثيرها البيئي طوال دورة حياتها، وتقوم القياسات الدقيقة بتحديد فرص التصميم البيئي (eco-design) وتقليل النفايات وتحسين كفاءة الطاقة لإنشاء منتجات أكثر استدامة.

كما يتيح علم القياس إجراء قياسات دقيقة لجودة الهواء، ونوعية المياه، وتلوث التربة، وغيرها من المعالم البيئية، ويُعد رصد المؤشرات البيئية بدقة أمرًا ضروريًا لتقييم المخاطر البيئية، والكشف عن مصادر التلوث، وحماية النظم البيئية وصحة الإنسان.

وبشكل عام، يوفر علم القياس البنية التحتية اللازمة لرصد وتحسين أداء الاستدامة عبر مختلف المجالات، مما يساهم في الانتقال نحو مجتمع ذو مسؤولية بيئية وأكثر استدامة.

في العام الماضي وتزامناً مع هذا الحدث، نظمت هيئة التقييس الخليجية المنتدى الخليجي الثاني للمترولوجيا في شهر أبريل تحت شعار “المترولوجيا للاستدامة”، وذلك بالتنسيق والتعاون مع وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة بدولة الإمارات العربية المتحدة، وبمشاركة خبراء في مجال المترولوجيا.

ويسرني أن أنتهز هذه الفرصة لأبارك للعاملين في نشاط المترولوجيا الاعتراف الرسمي من المؤتمر العام لليونسكو خلال دورته الثانية والأربعين المنعقدة في نوفمبر 2023 باعتبار تاريخ 20 مايو من كل عام يوماً عالمياً للمترولوجيا، حيث يفتح هذا الاعتراف آفاق جديدة لتعزيز علم القياس، بما يتماشى مع مهمة اليونسكو لبناء عالمٍ أفضل من خلال العلوم والتعليم.

وفي الختام، فإن اليوم العالمي للمترولوجيا هو أكثر من مجرد احتفال بعلم القياس؛ فهو اعتراف بالجهد التعاوني للحفاظ على سلامة وتقدم أنظمة القياس العالمية لدينا واستدامتها، وتقديراً للدور المحوري الذي تلعبه هذه الجوانب من العلوم والهندسة التي غالبًا ما يتم تجاهلها في دفع التقدم، وضمان العدالة في التجارة، وتحسين نوعية حياتنا، وبينما نحتفل بهذه المناسبة، دعونا نفكر في الدقة والعناية التي يبذلها علماء القياس في جميع أنحاء العالم، والطرق التي لا تُعد ولا تُحصى التي تمس بها جهودهم حياتنا.

*كلمة رئيس هيئة التقييس الخليجية بمناسبة اليوم العالمي للمترولوجيا 2024م.

*رئيس هيئة التقييس الخليجية

Comments (0)
Add Comment