الميزان .. ومفهومه

إعداد/ حسين علي عيسى الحايكي*

0 5٬006
اعلان المتجر

إن الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات يتحدث عن النعم و الهبات الكثيرة التي منحها للبشرية ومنها نعمة الميزان بجميع ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، سواء الميزان المادي وهو الذي يستعمله الإنسان في معاملاته التجارية أو الميزان المعنوي وهو ما يستعمله بني البشر في تعاملاتهم الاجتماعية من أداء الحقوق والقيام بالواجبات، وكلها تحتاج إلى ميزان لكي لا يكون هناك إفراط أو تفريط، وكذلك الكون بأكمله يحتاج إلى ميزان يحفظه من الخلل أو الانهيار ، وبذلك يتضح لنا بأن الميزان مطلب أساسي في جميع مفاصل الحياة بجميع معانيه حيث يقول سبحانه و تعالى في محكم كتابه الكريم (ووضع الميزان).

“السماء رفعها ووضع الميزان”:
«الميزان» كلّ وسيلة تُستعمل للقياس، سواء كان قياس الحقّ من الباطل، أو العدل من الظلم والجور، أو قياس القيم وقياس حقوق الإنسان في المراحل الاجتماعية المختلفة.
و(الميزان) يشمل كذلك كلّ نظام تكويني ودستور اجتماعي، لأنّه وسيلة لقياس جميع الأشياء.
و «الميزان» لغة: (المقياس) وهو وسيلة لوزن الأجسام الماديّة المختلفة، إلاّ أنّ المقصود في هذه الآية – والذي ذكر بعد خلق السماء – أنّ لها مفهوماً واسعاً يشمل كلّ وسيلة للقياس بما في ذلك القوانين التشريعيّة والتكوينية، وليس وسيلة منحصرة بقياس الأوزان الماديّة فقط.
ومن هنا فلا يمكن أن تكون الأنظمة الدقيقة لهذا العالم، والتي تحكم ملايين الأجرام السماوية بدون ميزان وقوانين محسوبة.
وعندما نرى في بعض العبارات أنّ المقصود بالميزان هو «القرآن الكريم»، أو «العدل»، أو «الشريعة»، أو «المقياس» ففي الحقيقة إنّ كلّ واحدة من هذه المعاني مصداق لهذا المفهوم الواسع الشامل.
ونستنتج من الآية اللاحقة استنتاجا رائعاً حول هذا الموضوع حيث يضيف بقوله تعالى: (ألاّ تطغوا في الميزان).
حيث يوجّه الخطاب لبني الإنسان الذين يشكّلون جزءاً من هذا العالم العظيم ويلفت انتباههم إلى أنّهم لا يستطيعون العيش بشكل طبيعي في هذا العالم إلاّ إذا كان له نظم وموازين، ولذلك فلابدّ أن تكون للبشر نظم وموازين أيضاً حتى يتلاءموا في العيش مع هذا الوجود الكبير الذي تحكمه القوانين الإلهيّة، خاصّة أنّ هذا العالم لو زالت عنه القوانين التي تسيّره فإنّه سوف يُفنى، ولذا فإنّ حياتكم إذا فقدت النظم والموازين فإنّكم ستتجهون إلى طريق الفناء لا محالة.
يا له من تعبير رائع حيث يعتبر القوانين الحاكمة في هذا العالم الكبير منسجمة مع القوانين الحاكمة على حياة الإنسان (العالم الصغير) وبالتالي ينقلنا إلى حقيقة التوحيد، حيث مصدر جميع القوانين والموازين الحاكمة على العالم هي واحدة في جميع المفردات وفي كلّ مكان.
ويؤكّد مرّة اُخرى على مسألة العدالة والوزن حيث يقول سبحانه: (وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان).

والنقطة الجديرة بالذكر هنا أنّ كلمة «الميزان» ذكرت ثلاث مرّات في هذه الآيات، وكان بالإمكان الاستفادة من الضمير في المرحلة الثانية والثالثة، وهذا ما يدلّل على أنّ كلمة (الميزان) هنا قد جاءت بمعان متعدّدة في الآيات الثلاث السابقة، لذا فإنّ الاستفادة من الضمير لا تفي بالغرض المطلوب، وضرورة التناسب للآيات يوجب تكرار كلمة «الميزان» ثلاث مرّات، لأنّ الحديث في المرحلة الاُولى، كان عن الموازين والمعايير والقوانين التي وضعها الله تعالى لكلّ عالم الوجود.
وفي المرجلة الثانية يتحدّث سبحانه عن ضرورة عدم طغيان البشر في كلّ موازين الحياة، سواء كانت الفردية أو الاجتماعية.
وفي المرحلة الثالثة يؤكّد على مسألة الوزن بمعناها الخاصّ، ويأمر البشر أن يدقّقوا في قياس ووزن الأشياء في التعامل، وهذه أضيق الدوائر.
وبهذا الترتيب نلاحظ الروعة العظيمة للانسجام في الآيات المباركة، حيث تسلسل المراتب وحسب الأهمية في مسألة الميزان والمقياس، والانتقال بها من الدائرة الأوسع إلى الأقل فالأقل (2).
إنّ أهميّة الميزان في أي معنى كان، عظيمة في حياة الإنسان بحـــــيث إنّنـــــــا إذا حذفنــــــا حتّى مصداق الميزان المحدود والصغير والذي يعني (المقياس) فإنّ الفوضى والارتباك سوف تسود المجتمع البشري، فكيف بنا إذا ألغينا المفهوم الأوسع لهذه الكلمة، حيث ممّا لا شكّ فيه أنّ الاضطراب والفوضى ستكون بصورة أوسع وأشمل.
ونظراً إلى أنّ هذه الآيات تتحدّث عن النعم الإلهية، فإنّ وجود الميزان سواء في نظم العالم أجمع أو المجتمع الإنساني أو الروابط الاجتماعية أو مجال العمل التجاري.. فإنّها جميعاً نِعَم من قبل الله سبحانه.
وقد أولت مملكة البحرين متمثلة بإدارة المواصفات والمقاييس التابعة لوزارة الصناعة والتجارة والسياحة اهتماماً كبيراً بالمراقبة على أدوات القياس المتداولة في الأسواق ومن ضمنها الموازين المتداولة والمستعملة في جميع الأسواق، وبالإضافة إلى المراقبة والتفتيش الدوري على جميع المحلات التجارية والأسواق المركزية فقد قامت الإدارة في الآونة الأخيرة بحملة كبيرة على الموازين الموجودة في الأسواق المركزية لغرض التأكد من أنها صالحة للاستخدام التجاري، وقد تم سحب الكثير من الموازين وأدوات الوزن المخالفة وغير الصالحة للاستعمال التجاري وذلك من أجل خلق بيئة تجارية نظيفة يطمئن فيها المواطن وكذلك أسواق خالية من الغش التجاري في أدوات القياس قدر المستطاع.

*مفتش قياسات أول – إدارة المواصفات والمقاييس
وزارة الصناعة و التجارة والسياحة – مملكة البحرين

اعلان المتجر
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.