منذ زمن طويل والمواد المضافة تلعب دوراً مهماً في حفظ الأغذية وإضافة خصائص لها كمواد ملونة أو حافظة أو مُحلّية، حيث أن مصدر هذه المواد آنذاك طبيعي مثل إضافة الملح للحوم وذلك لتقليل معدل النشاط المائي والذي يعمل على حفظ اللحوم من التلف لمدة من الزمن، وكذلك استخدام الكركم كمادة ملونة.
ومع مرور الزمن تطورت التقنية والتكنولوجيا والتي ساهمت بدورها في تطوير إنتاج مواد مضافة اصطناعية وفي تطوير طرق استخراج مواد مضافة من مصادر طبيعية مثل المُحلّيات. وحيث أن هذا التطور السريع في تصنيع المواد المضافة يستوجب سنّ تشريعات وقوانين تضمن استهلاك هذه المواد بطريقة آمنة وبشكل لا يؤثر على صحة وسلامة المستهلك، قامت الدول على إعداد قوانين ولوائح تحدد المضافات الآمنة المسموح باستخدامها وبحدود قصوى وفي منتجات غذائية معينة مثل التشريع الدولي التي تطلقه هيئة دستور الأغذية (الكودكس).
ولتنظيم تشريعات المواد المضافة عمدت الدول على إضافة رموز للمواد المضافة لكي يسهل التعرف على المادة ولتكون واضحة للمستهلك عند قراءتها على عبوة المنتج، حيث أن الرمز يبدأ بحرف E متبوع بثلاث أو أربع أرقام، وعلى سبيل المثال رموز المواد الملونة تكون من E100 إلى E199 والمواد الحافظة تكون من E200 إلى E299 الخ…
وبناءً على ما تقوم به الدول من سنّ قوانينها الخاصة بالمواد المضافة فقد قامت دول الخليج بسنّ تشريعاتها الخاصة بالمواد المضافة من خلال الجهات الحكومية المختصة بسلامة الغذاء تحت مظلّة هيئة التقييس لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والتي أثمرت على إصدار اللائحة الفنية الخليجية 2500 GSO “المواد المضافة المسموح باستخدامها في المواد الغذائية “واللائحة الفنية الخليجية 995 GSO”المحليات المسموح باستخدامها في المواد الغذائية“ و اللائحة الفنية الخليجية 707 GSO”المنكهات المسموح باستخدامها في المنتجات الغذائية“.
وتنص اللائحة الفنية الخليجية 2500 GSO على حدود قصوى للمواد المضافة بناءً على أحدث المراجع والتشريعات الدولية كتشريع هيئة دستور الأغذية (الكودكس) والذي يعمل على إعداده خبراء مختصين في هذا المجال من معظم دول العالم من خلال عقد اجتماع سنوي لإعداده وتحديثه ومن خلال عمل لجان إلكترونية، حيث أن المملكة العربية السعودية من بين الدول المشاركة في الاجتماع السنوي وفي لجانه الإلكترونية. كما أن هذا التشريع يعتمد وبشكل أساسي على لجنة مشتركة لتقييم المخاطر مشكلّة من منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO).
ومن المراجع المهمة أيضاً للوائحنا الخليجية الخاصة بالمواد المضافة هو تشريع الاتحاد الأوروبي والذي يعتمد في إصداره على هيئة سلامة الأغذية الأوروبية (EFSA) والذي يعمل على تقييم مخاطر المواد المضافة قبل السماح باستخدامها وتحديد حدودها.
المواد المضافة والتحذيرات
التطور السريع في إنتاج المواد المضافة يصاحبه دراسات تعمل على مراجعة سلامة المواد المضافة المسموح باستخدامها وفقاً للتشريعات الدولية والتأكد من مدى مناسبتها لفئات المجتمع المختلفة، وتجدر الإشارة إلى أن أحد الدراسات التي عُملت في المملكة المتحدة والتي تتحدث عن وجود علاقة بين اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) لدى الأطفال واستهلاك الأغذية التي تحتوي على أحد الألوان التالية:
,E102 Tatrazin, E110 Sunset yellow FCF
,E122 Azorubine (Carmisine), E129 Allura red
.E104 Quinoline yellow, E124Ponceau 4R
حيث ساهمت في حراك سريع في أوروبا والتي بدورها فرضت على المصنعين والمستوردين كتابة التحذير التالي (قد يكون له تأثير سلبي على النشاط والتركيز لدى الاطفال) على المنتجات المحتوية على أحد الألوان الستة. ولكن في المقابل تم التأكيد على أن هذه الألوان آمنة والتحذير فقط لاحتمالية حدوث علاقة بين هذه الألوان و (ADHD) لدى الأطفال.
وبناء على ذلك سارعت دول مجلس التعاون في إعادة النظر في السماح باستخدام هذه الألوان الستة، حيث خلصت النتائج إلى حظر اثنين من أصل ستة
وهما: E104 Quinoline yellow و E124Ponceau 4R وأما البقية فقد تبنت التوجه الأوروبي تجاهها وهو إلزام المصنعين والمستوردين بكتابة التحذير المذكور أعلاه على المنتجات المحتوية على أحد هذه الألوان:
E102 Tatrazin, E110 Sunset yellow FCF, E122
.Azorubine (Carmisine), E129 Allura red
حيث أن الدول التي تُلزم بكتابة التحذير هي دول الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون فقط، مما يدل على أن هذه الدراسة لم تكن قطعية بوجود العلاقة بين استهلاك الأغذية التي تحتوي على أحد الألوان آنفةِ الذكر و(ADHD)، ومن ضمن الدول التي لم تأخذ بهذه الدراسة هي الولايات المتحدة الامريكية.
كما لا يفوتني التطرق إلى التحذيرات الخاصة بالمُحلّيات، وحيث أنها تستخدم الآن وبشكل واسع كبدائل للسكر، وبناءً على هذا الاستخدام الكبير خرجت دراسات أثبتت بعض الأعراض الجانبية التي تصاحب استهلاك بعض المُحلّيات، حيث تم أخذها في الاعتبار في تشريعنا الخليجي رقم GSO 995 ، وعلى سبيل المثال لا الحصر بأنه لا يسمح باستخدام المحليات في جميع أغذية الرضع وصغار الأطفال باستثناء الأغذية ذات الاستعمالات التغذوية الخاصة، وأنه في حالة مُحلّي الأسبارتام يجب كتابة هذا التحذير “لا يستخدم من قبل الأشخاص المصابين بمرض الفينيل كيتونوريا“ أو عبارة “يحتوي على الفينيل ألانين“. وفي حالة مُحلّي السوربيتول أو الزيليتول يجب كتابة هذا التحذير “زيادة الكمية المستهلكة على 40 غم في اليوم قد تسبب الإسهال“. على بطاقة المنتج الغذائي.
وفي الختام تجدر الإشارة والإشادة إلى العمل الخليجي المميز ولجانه المنبثقة عن هيئة التقييس لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والتي تجتمع بشكل سنوي وتعمل طوال العام من خلال التواصل الإلكتروني على إعداد وتحديث التشريعات الخليجية الخاصة بسلامة الغذاء ودراسة كل ما يصدر في دول العالم المتقدم في مجال سلامة الغذاء على أيدي خبراء من الدول الأعضاء مختصين في المواد المضافة وسلامة الغذاء بشكل عام، يحملون على عاتقهم أمانة ومسؤولية تقديم تشريعات صارمة تضمن سلامة ومأمونية الغذاء في منطقة الخليج. كما أود الإشارة أيضاً إلى العمل الرائع والمنظم التي تقوم به هيئة التقييس لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من خلال مختصيها في مجال سلامة الغذاء والذين يعملون على إخراج نتائج هذه اللجان بصورة مشرفة ترتقي لمستوى هذه المنظومة.
* أخصائي أول – الهيئة العامة للغذاء والدواء – المملكة العربية السعودية
- ماجستير في علوم الغذاء – كيمياء أغذية
- متخصص في قوانين وتشريعات الغذاء المحلية والدولية