التقنية ثلاثية الأبعاد، هي التقنية التي تمكن المشاهد من الرؤية بالأبعاد الثلاثة، عن طريق إيهام الدماغ والعينين بأن الصورة المشاهدة، لا تكون محصورة في الأبعاد الثنائية، وإنما تكون ممتدة إلى الأبعاد الثلاثة بإضافة العمق إلى الصورة بحيث تجعل تجربة المشاهدة أكثر واقعية ومثيرة للاهتمام. وتتميز بالمرونة بحيث يمكن تغيير زوايا الصورة أو تحريكها. وقبل ظهور هذه التقنية كنا نستطيع أن نشاهد البعدين (X و Y ) أما باستعمال هذه التقنية نستطيع مشاهدة البعد الثالث ألا و هو ( Z).
ومجازاً يمكننا استعارة هذا المصطلح لاستخدامه في عالم الوظائف. حيث أن وضع نموذج ثلاثي الأبعاد بشأن «كيفية» الوظيفة و»ماهيتها» و «سببها» سوف يضفي الحيوية والمهنية على الموظفين ويساعد المنظمات على تحقيق أقصى درجات النجاح في أعمالها.
وفي رأي الخبراء، فإن الوظائف هي ثلاثية الأبعاد:
البعد الأول: عناصر الوظيفة كما تم وصفها: وهي تقدم الأساس لـ “ كيفية“ أداء الوظيفة (الأداء والإنجاز) ويركز هذا البعد على المهام التي يجب على الموظف القيام بها (وهي ما يسمى في بطاقات الأداء الحديثة بالعناصر الحرجة)، ويتضمن ذلك حجم ونوعية الأداء وطبيعة الإنجازات بما في ذلك تحقيق أهداف تزيد عن المتوقع أو تفوق متطلبات الوظيفة.
البعد الثاني: النتائج التي يجب على الموظف تحقيقها يوماً بعد يوم: وهذه هي المشاركة القابلة للقياس التي تحصل عليها المنظمة نتيجة لجهود الموظف، وهي تقدم الأساس لـ “ ماهيـة“ الوظيفة. وهذا هو جوهر التوظيف. ففي أي عمل يجب أن تكون هناك نتيجة نهائية ذات قيمة لكل من أصحاب العمل والمستفيدين على حدٍ سواء. ولا معنى لأي عمل ما لم يؤد إلى ربح المال أو زيادة الحصة السوقية أو تعظيم الإنتاجية أو غيرها من النتائج الاستراتيجية التي تود المنظمة تحقيقها.
لذا، من المهم أن يعرف الموظفون النتائج المطلوب منهم تحقيقها بشكل تعاقدي وواضح، وأن يؤمنوا بأنهم لبنة في بناء استراتيجي، كما أن الرؤية المشتركة Shared Vision هي “الإسمنت الانفعالي“ الذي يعمق الولاء المؤسسي ويجعل الأداء الوظيفي أسهل وأعمق ومستدام.
البعد الثالث: الهدف العام من الوظيفة: وهذا هو الذي يرتبط بأهداف المنظمة ككل، وينبغي أن يكون هذا البعد قوة تحفيزية رئيسية، وهو يمثل “السبب“ الرئيسي للوظيفة.
أين تكمن المشكلة إذاً؟
يمكن تعريف الوصف الوظيفي بأنه أسلوب مؤسسي ومنهجي لدور الموارد البشرية في أداء المنظمة لأعمالها، ومحور أساسي لتطوير ثقافة المنظمة، ويستخدم كأساس لوضع نظام سليم لاختيار وتعيين وتدريب الأفراد ويساهم أيضًا في تحديد المنظمة لاحتياجاتها المطلوبة من الموارد البشرية، ويسهم في بناء منظومة قيمية وثقافية للمنظمة.
والمتتبع لما هو معمول به في أغلب المنظمات يجد أن معظم توصيفات الوظائف تصف البعد الأول فقط- المهام التي يجب أداؤها. ومجرد التوجه نحو أداء المهام ليس كافياً. إذ أن التركيز على أداء المهام المجردة فقط يحول الموظفين إلى كائنات آلية!
الأشخاص الناجحون لا يؤدون المهام المناطة بهم فحسب، بل يضعون في عقولهم المشاركات ثلاثية الأبعاد اللازمة لضمان تحقيق المستقبل الناجح للمنظمة. وباستخدام هذه الطريقة (ثلاثية الأبعاد) فإنهم يطورون طريقتهم تدريجياً لإنجاز هذا الأمر. وعلى قادة ومديري المنظمات أن يذهبوا بموظفيهم إلى أبعد من مجرد “الوصف الوظيفي“. فعندما يؤدي الموظفون المهام المناطة بهم بطريقة منعزلة وآلية، فإنهم يتوقفون عن التفكير فيما يفعلون. ومن ثم يتوقفون عن الإبداع ورؤية النتائج المرغوبة.
من الأداء المرغوب إلى الأداء المطلوب!
هناك “فجوة وظيفية“ حقيقية غير منصوص عليها صراحة وغير محددة في بطاقات التوصيف الوظيفي لكل موظف، ولم يتمكن مسؤولو الموظفين من بلورتها، وقد حان الوقت لتأميمها.
يميل البشر بطبيعتهم نحو أداء المرغوب ((Desired لا المطلوب (Targeted)، ومن ثم تبقي هناك فجوة هائلة بين رؤى المنظمات وخططها وبين ما يتم تنفيذه بالفعل. ويبدو أن المديرين والمشرفين يكتفون بإملاء التعليمات الروتينية اليومية وتكليف مرؤوسيهم بالمهمات، لكنهم لا يأبهون بمتابعة سير العمل بعد ذلك ومدى ارتباطه برؤى وأهداف المنظمة والنتائج الاستراتيجية المنشودة، ولا يمتلكون مجسات (أو قرون استشعار) لمعرفة الخلل وتوقعه وتشخيص مسبباته واتخاذ الإجراءات التصحيحية والوقائية في وقتها بما يمنع أو يحد من آثارها السلبية. وهذا هو السبب الرئيس في التدهور الذي تُمنى به المنظمات.
تقييم الأداء لا يعني الفوز أو الخسارة
يعتمد تقويم أداء الموظف على معايير أساسية لقياس الأداء، تستمد من محتوى الوظيفة ذاتها. تلك المعايير توضع بحسب ما تحتويه الوظيفة من عمل يتوجب على الموظف القيام به بالكيفية والوقت المحددين. إن تقييم أداء الموظفين دورياً واعتماد أسلوب التغذية الراجعة، طريقة رائعة لتحسين الأداء. لكن في الواقع، تفتقر المراجعات التقييمية للأداء إلى المرونة اللازمة لإعداد التغذية الراجعة بفاعلية. وقد تؤول المراجعات السنوية إلى نقاشات حول ماهية التصنيف المناسب للأداء، وهذا هو السبب وراء تخلي العديد من المنظمات عن المراجعة السنوية لصالح إجراء مناقشات الأداء الأقل رسمية. حيث أنها لا تحقق الأبعاد الثلاثة التي أسلفنا ذكرها.
إن تقييم الأداء لا يعني الفوز أو الخسارة، وإنما أداة للتحفيز ونشر ثقافة القيم والتميز ونشر قصص نجاح المبدعين للوصول إلى أعلى درجات التفوق في الأداء، وتشكل مرجعية للتقييم والتحفيز الوظيفي في المنظمة وكحلقة مهمة في مشروع التطوير الاستراتيجي.
كيف نبدأ؟
اصطياد الكفاءات وديمقراطية المواهب
تولي المنظمات الحديثة اهتماماً كبيراً بجذب واستقطاب والحفاظ على الكفاءات البشرية، باعتبارها الركيزة للمنظمات ورأس مالها وأصل أصولها، وذلك من خلال وضع مبادرات استراتيجية واستخدام أساليب وأدوات مبتكرة تضمن الاحتراف والرفاه الوظيفي وتصون القيم والولاء المؤسسي. لكن الاعتماد بشكل أساسي على المقابلات الوظيفية كمصدر أساسي للاختيار الوظيفي لا يقدم تقييماً كاملاً ودقيقاً لمهارات المتقدم للوظيفة، ولا يكشف عن مؤشرات أو ضوابط معيارية وموضوعية ملاءمة للتنبؤ بكفاءة المتقدمين للعمل ممن يحفظون أسئلة “جوجل“ للمقابلات الوظيفية ويجيدون “لبس قناع“ الموظف المتميز والمحترف. إن المقابلات الوظيفية يجب أن تجيب على ثلاثة أسئلة: لماذا أوظف – وكيف أوظف – ومن أوظف. وهي أسئلة تعكس علم وفن لا يجيده الكثير.
ومؤخراً ظهر ما يسمى بـ “حرب المواهب والكفاءات“. فالحفاظ على الموظفي “ثلاثي الأبعاد “ يعتبر التحدي الدائم الذي يواجه المنظمات وتبدأ هذه “الحرب“ بعملية الاستقطاب والتعيين (الاصطياد) بهدف اختيار الكفاءات بناءً على معايير واضحة يمكن قياسها عبر استخدام طرق علمية موثوقة، يلي ذلك توفير فرص التقدم المهني والأمان الوظيفي وفرص التدريب والتعلم والتطوير وتقدير الأداء الجيد ومكافأته ومن خلال سمعة جهة العمل وصورتها أمام الآخرين وقدرة المديرين على توجيه الموظفين وتحفيزهم.
وهناك ما يسمى اليوم بـ “ديمقراطية المواهب“، بحيث يتم كسر الأساليب التقليدية للاختيار، والمؤكد أننا لن نعتمد عليها حصرياً في المستقبل؛ فالاختبارات في الشركات في طريقها لتصبح السلاح السائد لكسب حرب المواهب، وبالفعل بدأت بعض المنظمات بالخروج عن مألوف المقابلات الوظيفية، وتبنت أدوات وأساليب أخرى من التقييم سواء بوضع المتقدم للوظيفة في سيناريو حقيقي (محاكاة) أو (استبيان السمات الشخصية) أو (الاختبارات المهنية) أو اختبار الاستدلال اللفظي أو المكاني أو الميكانيكي أو التجريدي، وكذلك المقابلات السلوكية أو تلك المعتمدة على الكفاءات أما البعض الآخر فتعدى ذلك (المسابقات) وإلى تحرى ورصد ومراقبة الكفاءات المهنية في المنظمات المنافسة ومن ثم اصطياد Head hunting تلك الكفاءات والمواهب وإضافتها لقائمة موظفيها، وغيرها من الأساليب والأدوات التي تساهم في فلترة الموارد البشرية قبل دخولها للمنظمة.
إن شركات مثل جوجل، وماكينزي، وكورن فيري وغيرها تنفق كثيراً على تطوير تحليل مقاييس الأداء من خلال خوارزميات التنبؤ بالمواهب، فتضيف نوعاً من العلم إلى فن تقييم الموهبة الملائمة أثناء عملية التوظيف. ويمكن القول إن المنظمات التي تفشل في التحرك في هذا الاتجاه ستجد ذاتها بمرور الوقت ضعيفة أمام المنظمات الأخرى المنافسة في خضم الحرب على المواهب، وستتعرّض استراتيجيتها التنافسية للخطر ويزيد احتمال اختيار رأس مالها البشري غير الملائم وغير المتناغم مع الحمض النووي للمنظمات(DNA)، وما يعكسه ذلك من أثر سلبي على تلك المنظمات.
الدستور الأخلاقي للمنظمة:
تستند المنظمة في رسم رؤيتها المستقبلية ورسالتها الاستراتيجية على مجموعة من القيم (الجوهرية والوظيفية) التي تُعد بمثابة الحارس الأمين للمنظمة والميثاق الأخلاقي الذي يضبط حركة وإيقاع الأداء المؤسسي. وليس الهدف من تحديد القيم أن يكون لدى المنظمة مجموعة من الكلمات الجميلة التي تتغنى بها دون أن تتحول إلى واقع عملي يسعى الجميع إلى تحقيقه ويمكن قياسه. ولذا، فإن العديد من المنظمات اليوم جعلت من هذه القيم دليلاً مكتوباً يوضح كل قيمة من القيم، وتعريفها، وآليات تطبيقها، ليكون هذه الدليل بمثابة دستور يلتزم الجميع بتنفيذه. وتعتبر القيم عنصراً مهماً في ملف كفاءة الموظف.
والقيم هي المناطق التي لا يمكن المساومة عليها، حتى في ظل وجود أفضل الكفاءات التي تحقق أقصى درجات الأداء الوظيفي! وهي دستور متفق عليه بين المنظمة والموظف، ليتم الاحتكام إليه دائماً عند الانحراف عن المسار القيمي المرسوم.
لا للنسخ المكررة، نعم للإبداع والتجديد!
إذا كانت المنظمات تعين موظفين متماثلين، ذوي مؤهلات وكفاءات متماثلة، للقيام بأعمال متماثلة (البعد الأول)، لعمل منتجات متماثلة، بطريقة متماثلة، لزبائن يعتقدون أنهم متماثلون، ويتم تقييم أداءهم بطريقة متماثلة، فمن أين يأتي التجديد في المنظمات؟ التماثل يعني التقليد والرتابة التي تؤدي إلى تدني الإنتاجية وهبوط مستوى الأداء العام للمنظمة. ولهذا، فسياسة التجديد والتنوع البشري وما يتضمنه من إثراء وظيفي سياسة مطلوبة، أما سياسة الاستنساخ والاكتفاء بـ (البعد الأول) فلم تعد مقبولة.
إن التجديد والإبداع المؤسسي لا يكون إلا بمن نسميهم “ الاستثنائيون“، ذوي القدرات الإبداعية، من يملكون مواهب غير عادية تؤهلهم لفعل ما يشبه المعجزات؛ الذين ينظرون للأمور بطريقة خارجة عن المألوف سواءً كانوا عباقرة أو أباطرة مال وأعمال، أو نجوم فن، أو موظفين استثنائيين أو مبرمجين أو محترفين ومهنيين مِمَن يتقنون فنون التواصل والذكاء العاطفي الجمعي ويقرأون الأشياء بعدسات الآخرين ويمتلكون محفزات الارتقاء والمبادرة والتحفيز الذاتي بالقدر الذي يجعلهم يتحملون مسؤوليات تزيد عن مسؤولياتهم الرسمية المحددة، ولديهم أنفس تواقة للفوز تشعل حماسهم، و“رادارات“ ذاتية ترصد العواصف قبل هبوبها!
إن نشر ثقافة تتبنى الإبداع وتحفز وتكافىء عليه يعتبر البعد الثالث الذي لا غنى لأي منظمة عنه، ولابد من مقياس إبداعي لاستدامة هذا البعد يشمل تقييم الأفكار الإبداعية وتقييم المنهجية أو الأسلوب المتبع في تقديم الأفكار والمبادرات وما يبذله الموظف من جهود لتطبيق مبادراته وإبداعاته وجهوده لتخطي الصعوبات والمعوقات، ومدى تطبيق ما قدمه الموظف من أفكار/ مبادرات إبداعية، والنتائج والتأثيرات المترتبة عليها والدروس المستفادة منها ومدى حرص الموظف على نشرها وتعميمها ومشاركة الآخرين. كما أن هناك حاجة لإطلاق الحافز الذاتي لدى الموظف من خلال تقييم مدى رغبة وقدرة الموظف على تعلم المهارات المتعلقة بمهام عمله، ومدى استفادته من خبرات زملائه الأكثر خبرة ومعرفة، وجهود الموظف للاطلاع على أية معارف أو معلومات حديثة تتعلق بعمله وتساهم في تطوير أدائه، والجهود التي يبذلها للارتقاء بتحصيله العلمي وفي مجال التنمية الذاتية للمعارف والمهارات.
وختاماً، إننا بأمس الحاجة اليوم إلى الموظف ثلاثي الأبعاد، وهذا لا يتم إلا من خلال إدارة واضحة المعالم للأداء الاستراتيجي، وقيادة مبصرة محفزة تزرع روح المبادرة وتشجع على تقديم أفكار ومقترحات ودراسات ومبادرات وأساليب عمل متميزة ومبدعة تساهم في تطوير الأداء المؤسسي وتحسين الإنتاجية وترتقي بمستوى الخدمات المقدمة للمستفيدين (الداخليين والخارجيين) للوصول إلى المؤسسات الذكية (SMART) والرشيقة (Lean)!.
*رئيس قسم التسويق والعلاقات الدولية – هيئة التقييس
*دكتوراه في سيكولوجيا التطوير القيادي والمؤسسي
مقال مبدع لدكتور رباعي الأبعاد? (فكر-وضوح-احترافية) دكتور زكي اعجبني المقال كثيرااا وارى انه بوضح فكرة ماهية الاستقطاب والاختيار والتوظيف للموارد البشرية ذات الكفاءة والتي قد تكون ان لم تكن هي الركيزة الأساسية للمؤسسات الاحترافية على مستوى العالم … شكرا دكتور على هذا الابداع في استحداث هذا المصطلح الجديد والمفهوم الجديد في عالم تنافسية الموارد البشرية ??? تحياتي لك من مملكة البحرين- أشواق بوعلي – استشاري تطوير المؤسسات والأفراد-