تعتبر المنتجات البلاستيكية على اختلاف أشكالها واستخداماتها من أفضل الاختراعات البشرية التي ساهمت -مما لا شك فيه- في تحسين جودة الحياة من مناحي عديدة، فلخامات البلاستك خصائص عديدة تجعل منها خيار مناسب لتغليف المنتجات الغذائية وحفظ الأدوية واستخدامها في العمليات الجراحية لحفظ الدماء والأعضاء البشرية.
ولو تتمعن من حولك ستجد أن كل شي يحتوي على البلاستيك كالهاتف والساعة التي في يدك أو كالملابس التي ترتديها أو الأوعية وحافظات الطعام التي تأكل منها، أو كبسولات الأدوية التي تتناولها.
وفي التسعينات تضاعف إنتاج البلاستيك بشكل متزايد، إذ بلغت الزيادة في إنتاج الخامات البلاستيكية في عقد التسعينات إلى ثلاثة أضعاف ما تم إنتاجه خلال العقود السابقة، نتيجة لعوامل عديدة منها سهولة التصنيع والإنتاج، بالإضافة إلى الحاجة الملحة لاستخدام البلاستيك في ظل ظروف الحياة الراهنة فهو زهيد في السعر وذو خصائص ميكانيكية وفيزيائية ممتازة إذا قورن بمواد أخرى لذات الغرض كالقوة في الشد وتحمل الوزن العالي، ومقاومة النمو البكتيري والفطري؛ نتيجة لثبات التركيب الكيميائي، وكذلك العزل في نفاذية المواد والسوائل، ناهيك عن خفة الوزن والمرونة العالية في الشد، ومن جانب جمالي فإن خامات البلاستيك تتميز بالشفافية في اللون وسهولة التشكيل.
ولم تتوقف آلات وخطوط إنتاج البلاستيك عن العمل إذ تساوى إنتاج عقد الألفية مع إنتاج أربعة عقود قد سبقته، ولعمري إن العالم بأسره لم يعرف على مدى العصور والأزمان هذا الحجم من التضخم في الإنتاج، إذ دخلت خامات البلاستيك بأنواعها المختلفة في شتى مناحي الحياة لتصبح أكثر مادة تضخمت في الإنتاج على المستديرة.
وتأتي خامات (لدائن) البلاستيك بأشكال وتركيبات عديدة متكونة بشكل رئيسي من الهيدروكربونات (وهو: تركيب كيميائي من عنصري الكربون (C) والهيدروجين (H)) التي تنتج عبر الصناعات التحويلية للوقود الأحفوري غير المتجدد بأشكاله الأساسية: النفط أو الفحم أو الغاز الطبيعي، وبالإضافة إلى التركيب الهيدروكربوني وتقوم المصانع بإضافة مواد محسنة للتحكم بلون وملمس منتج البلاستيك النهائي.
ومن الممكن تقسيم المنتجات البلاستيكية إلى قسمين من حيث الاستخدام:
القسم الأول:
أن تكون مواد مخصصة للاستخدام المتكرر ودائماً تُصنع من لدائن عالية في الكثافة كالمواد البلاستيكية العازلة المستخدمة في الأسلاك الكهربائية أو اللدائن المستخدمة في الأثاث الداخلي للسيارات.
القسم الثاني:
أن تكون مواد بلاستيكية مخصصة للاستخدام الواحد (مواد استهلاكية) وهي في الغالب تُصنع من لدائن قليلة الكثافة ومتوسط دورة حياتها أقل من تلك المنتجات البلاستيكية المخصصة للاستخدام المتكرر، كأكياس التسوق المخصصة للاستخدام الواحد.
ومن أبرز اللدائن التي تستخدم في منتجات البلاستيك المخصصة للاستخدام الواحد:
وإذا تمعنت في الأمثلة أعلاه، ستجد أن منتجات البلاستيك شملت روتين وأنشطة الحياة اليومية، وبسبب هذه الشراهة في الاستهلاك تشير إحدى التوقعات إلى استهلاك قطاع البلاستيك ما يقارب 20% من إنتاج العالم النفطي في عام 2050م متجاوزاً بذلك قطاعات أساسية عديدة.
وعلى النقيض، فإن لاستهلاك المنتجات البلاستيكية من غير تحكم أو ضوابط لإدارة مخلفاتها أضرار ومساوئ عديدة تشمل جميع أشكال الحياة على كوكبنا الأزرق، سواءً في البحر أو الأرض أو الجو. ففي البحر وصلت كمية المخلفات البلاستيكية إلى أرقام مخيفة، حيث تشير إحدى الدراسات إلى أن المحيطات ستحتوي على مخلفات بلاستيكية بنسبة أكبر من الأسماك! وفي الأرض أشارت إحدى الدراسات المنشورة من قبل بلدية دبي في الإمارات العربية المتحدة عام 2009، أي قبل 13 سنة تقريبا، إلى تناول 50% من الجِمال النافقة لمواد بلاستيكية، ولم تسلم حتى الطيور من هذه المخلفات إذ ينشر الناشطون البيئيون بشكل متكرر صور لطيور نافقة تناولت هذه المواد البلاستيكية.
ونحن كبشر لسنا بمنأى عن أضرار المخلفات البلاستيكية الجسيمة على صحتنا وعلى وجودنا في هذا الكوكب، فإن نتاج عملية تحلل وتفكك مخلفات المواد البلاستيكية جزيئات ولدائن صغيرة من البلاستيك يطلق عليها اسم المايكروبلاستيك (Microplastic) توجد في بيئات مختلفة بحرية أو برية، تصل إلى غذاء الإنسان بطرق مختلفة، حيث تشير أحدث الدراسات المخيفة إلى تناول الإنسان ما يعادل 5 جرام من المايكروبلاستيك أسبوعياً أي ما يقارب وزن بطاقة ائتمانية بلاستيكية…!!
ومن جانب أخر، فإن للمخلفات البلاستيكية بصمة واضحة تكشف عن حقبتنا الزمنية الحالية كونها تجثو في البيئة ولا تتحلل لوقت طويل جداً حيث تحتاج عبوة المياه إلى ما يقارب 450 سنة للتحلل، وتحتاج الأعواد البلاستيكية إلى 200 سنة، والأكياس البلاستيكية الخفيفة إلى 20 سنة، ونظامنا البيئي سيكون بحاجة إلى عقود أكبر وأكبر لمعالجة جميع الأثار المترتبة على الاستخدام.
وسلاحنا الأقوى في قطاع التقييس لمواجهة هذه الظاهرة هو إصدار التشريعات الخضراء التي تقنن وتقلل من السلوك البشري الاستهلاكي لهذه الأفة، ومن أبرز التشريعات التي تم اتخذها في دولنا الخليجية لمجابهة هذه الظاهرة هي منع تداول الأكياس البلاستيكية في إمارة أبوظبي اعتباراً من 1 يونيو 2022م، ومنعها في إمارة عجمان اعتباراً من 1 يناير 2023م. وفي إمارة دبي يأتي فرض رسوم على استخدام الأكياس المخصصة للاستخدام الواحد بواقع 25 فلساً اعتباراً من 1 يوليو 2022م ضمن خطة تشريعية تنفيذية للحد من تداعيات هذه الظاهرة.
علاوة على ذلك فقد تم إصدار قرارات وزارية لحظر استخدام الأكياس البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد في كلٍ من مملكة البحرين وسلطنة عمان وذلك بموجب القرارات الوزارية رقم 14 لسنة 2022م بمملكة البحرين وقرار رقم 23 لسنة 2020 بسلطنة عمان، ناهيك عن الغرامات والعقوبات المطبقة في أغلب دول المجلس المتعلقة برمي المخلفات البلاستيكية بشكل مباشر في المحميات والبيئات المختلفة.
ومن وجهة نظري أجد أن جميع التشريعات التي اتخذتها حكومات دول العالم ماهي إلا خارطة طريق لتشريعات أكبر تعزز السلوك الفطري للإنسان وترسخ علاقته مع البيئة، وتحقق أقصى درجات الشمولية والتكامل مع أنماط الاقتصاد الدائري التي تعزز كافة أشكال الاستدامة وتقليل الملوثات الناتجة عن الممارسات البشرية في عملية إنتاج واستخدام المنتجات.
*أخصائي مطابقة في هيئة التقييس