تُعتبر المياه والطاقة والغذاء من ضروريات الحياة ومقوماتها، وعوامل يقاس بها نمو الشعوب والأمم.
منذ نشأة الحياة على كوكبنا الأزرق وإلى يومنا الحالي نجد أن الحاجة إلى هذه العناصر في ازدياد كبير، ومن المتوقع بحلول عام 2050م بحسب عدد من التقديرات زيادة الطلب على مياه الشرب بنسبة 55% والطاقة بنسبة 80% والغذاء بنسبة 60% مع بلوغ عدد السكان في العالم حوالي 10 مليار نسمة.
ولما تشكله هذه العناصر من أهمية قصوى وتحدٍ كبير علينا نحن الأفراد والمؤسسات والحكومات في هذا الكوكب لابد من فك شيفرة الترابط بين هذه العناصر التي نجدها حتمية ومترابطة بشكل مصيري فعلى سبيل المثال: لا يمكننا زراعة النباتات من غير الماء، وكذلك لا يمكننا إنتاج الغذاء وتوزيعه من غير طاقة، فالطاقة والمياه عناصر أساسية للغذاء والعكس صحيح، ويمكن فهم هذا الترابط بصورة مبسطة من خلال الشكل التالي الذي يوضح أشكال من الترابط بين المياه والطاقة والغذاء:
شكل (1): صور وأشكال من الترابط بين المياه والطاقة والغذاء
ومع مرور الزمن يتعاظم حجم الترابط بين المياه والطاقة والغذاء ويتشعب في ظل مواجهة حتمية مع النمو الكبير لاحتياجات العالم من عناصر هذا الترابط ليشكل تحدٍ حقيقي يواجه العالم أجمع.
وتعتبر التشريعات من أهم الأدوات التي يمكن الاعتماد عليها في مواجهة تحدي المياه والطاقة والغذاء وتحقيق التغيير المنشود، كالتشريعات التي تساهم في تعزيز استخدام الموارد بكفاءة عالية، والتي تشجع على الابتكار وإيجاد الحلول للإنتاج بأقل التكاليف وتحقيق الأمن المائي والأمن في الطاقة والأمن الغذائي.
وفي ظل تعاظم هذا التحدي لا يمكننا التعويل فقط على التزام الأفراد وتوعيتهم لمحدودية تأثيرهم في صناعة التغيير على غرار التشريعات التي تساهم في التشجيع على الابتكار وصناعة تأثير أكبر يمكن قياسه قبل البدء في تطبيق التشريع وبمعنى آخر أن نستهدف عبر التشريع المُنتج والمُصنع دون التركيز فقط على المستخدم، ويمكن للحكومات الاستثمار بعددٍ هائل من التشريعات بمستهدفات واضحة تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي من جملتها تنمية وتحقيق الأمن المائي وأمن الطاقة والغذاء.
فعلى صعيد تحقيق الأمن المائي توجد فرص تشريعية هائلة مع ندرة موارد المياه المتجددة في منطقة الخليج ومحدودية تساقط الأمطار، كالاستثمار في التشريعات التي تساهم على إنتاج المياه بوسائل موفرة للطاقة وكذلك استخدام المياه الرمادية وتعظيم الري بالمياه المعالجة.
وعلى مستوى المنتجات الصحية المستخدمة في شبكات المياه، اتخذت دول خليجية كدولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والمملكة العربية السعودية خطوات حثيثة لترشيد استهلاك المياه عبر السماح فقط باستيراد وبيع أدوات مرشّدة لاستهلاك المياه عبر الالزام بمعايير وحدود دنيا مقبولة لتدفق المياه عبر الأدوات الصحية وعبر ترميز معدلات الاستهلاك (الكفاءة) بنجوم أو حروف تشجع المستخدم على اقتناء الأكثر توفيراً في الاستهلاك وتركيبها لديه في منزله أو مزرعته.
شكل (2): صور ملصقات ترشيد المياه التي تثبت على الأدوات والتوصيلات الصحية
ومن جانب أمن الطاقة، تتصدر دولنا الخليجية الصفوف الأمامية في تحقيق الأمن في الطاقة بفضل الله وبفضل توجيهات أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس –حفظهم الله ورعاهم- فمن جانب الالتزامات البيئية في هذا القطاع الحيوي نجد أن دولنا الخليجية سباقة في تبني سياسات الحياد الكربوني الصفري وفق مستهدفات وخطط طموحة تعكس التزامات دولنا الخليجية على قائمة دول العالم في الحفاظ على البيئة ومعالجة الأزمة المناخية، نجملها في الجدول التالي:
الدولة | المستهدف/ المستهدفات |
الإمارات العربية المتحدة | الحياد المناخي في عام 2050م |
مملكة البحرين | الحياد الكربوني الصفري في عام 2060م |
المملكة العربية السعودية | الحياد الكربوني الصفري في عام 2060م |
سلطنة عمان | الحياد الكربوني الصفري في عام 2050م |
دولة قطر | الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 25% بحلول العام 2030م. |
دولة الكويت | الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050م في قطاع النفط والغاز وفي عام 2060م في الصناعات الأخرى. |
جدول (1): مستهدفات الدول الخليجية المعلنة في جانب تحقيق الحياد الكربوني وتقليل الانبعاثات (تحديث: 12 فبراير 2023م)
ومن جانب تحسين استهلاك الطاقة بكافة الأصعدة نجد سياسات وتشريعات مطبقة ومستهدفات وطنية لرفع كفاءة الطاقة في دولنا الخليجية وعلى مستوى المنتجات (المستوى الأول في كفاءة الطاقة) حيث تساهم مخرجات هيئة التقييس الخليجية بشكل مباشر في رفع وعي المستخدمين (المستهلكين) من حيث إلزام المصنعين بتثبيت ملصقات تقييم كفاءة استهلاك الطاقة أو الوقود على منتجات أساسية كالسيارات والإطارات.
شكل (3): ملصقات كفاءة استهلاك الوقود على منتجات السيارات والإطارات
وأخيراً من باب الأمن الغذائي، لا تزال الفرص التشريعية متاحة في الدول الأعضاء من خلال سن مجموعة كبيرة من التشريعات تساهم في قياس الفاقد والمهدر من الطعام وكذلك تشجع على الحد من فقد الطعام ومخلفات الطعام (هدر الطعام) وإدخالها كعناصر في الاقتصاد الدائري كالاستفادة منها في إنتاج الطاقة أو انتاج المياه للغذاء. مع التأكيد على أهمية تبني التشريعات التي تساهم في الحد من مخلفات الطعام من المصدر كمنع استخدام المواد الغذائية كمواد مغلفة للأغذية كاستخدام الخبز كغلاف للمشويات أو الخبز كإناء للشوربة وما إليه من أمثلة أخرى.
*أخصائي مطابقة في هيئة التقييس الخليجية