على الرغم من سهولة الخوض في مفهوم “السلامة” مع جميع فئات المجتمع، نظراً لأن عملية استحضار مرادفات ومعاني السلامة جليّة جداً وذات نمط متكرر لدى العموم، إلا إنه عند التمعن والبحث سنجد تبايناً في تعريف “السلامة” بحسب الجهة التي تعرّف هذا المفهوم. فللسلامة تعريف في لوائح سلامة المنتجات مغاير عن ذلك التعريف المستخدم في مواصفات الجمعية الأمريكية لموظفي الطرق السريعة والنقل (AASHTO) مغاير كذلك عن التعريفات المذكورة في نظام الصحة والسلامة المهنية لمنظمة التقييس الدولية (ISO).
ويرجع ذلك الاختلاف والتباين إلى الاختلاف في مستوى السلامة من منظور صاحب التعريف، ويمكن تقسيم مستويات السلامة إلى 3 مستويات رئيسية، بحيث يشمل المستوى الأول المنتجات، والمستوى الثاني يشمل الأنظمة، ومن ثم المستوى الثالث الذي يشمل المنظومة السلوكية (السلامة الوقائية)، ولا يتحقق المستوى المتقدم إلا بتحقق المستوى المتدني، فلا يمكن الوصول إلى نظام سليم وأمن (مستوى ثاني) مالم تتوفر أجهزة أمنة وسليمة (مستوى أول) تخدم في هذا النظام. وبمنظور شمولي تتحقق السلامة بجميع المستويات الأساسية بدئاً من المنتج ومن ثم النظام ومن ثم السلوك.
فلو كانت لدينا مركبة أمنة وسليمة (تمثل منتج) نسير بها في طريق (يمثل نظام) غير أمن وغير سليم لما تحققت السلامة في هذه الحالة، وكذلك لو توفرت لدينا مركبة أمنة وسليمة يستخدمها في الطريق الأمن والسليم سائق متهور (غير ملتزم بالسلامة السلوكية) لن يتحقق لدينا كذلك مفهوم السلامة الشمولية!
ولتوضيح الصورة بشكل أكبر يمكن الرجوع إلى الشكل التالي:
شكل رقم (1): شكل توضيحي لمستويات السلامة
وبشكل عام نجد ارتباطاً وثيقاً بين سلامة المنتجات وظروف البيئة المحيطة الذي على إثرها تم إعداد العديد من المواصفات القياسية واللوائح التي تحاكي ظروف التخزين المثالية للمنتج، وتتضح بشكل جلي عند قراءة علب الأدوية التي تشير بشكل صريح إلى ظروف التخزين الخاصة بالمنتج كدرجة الحرارة الملائمة وما إليه من شروط وظروف أخرى، حيث من الممكن أن تتغير سمات وخصائص المنتج عند تعريضه لظروف تخزين غير ملائمة.
وفي الغالب يتجه المشرّع نحو الشمولية والتكاملية في التشريع، وألا يبدأ في تكوين وصياغة التشريع من الصفر، بل يعمل من حيث ما انتهى الأخرون وذلك بالاستعانة بأفضل الممارسات التشريعية الإقليمية والدولية، مع إضافة التحديثات والحيود والفروقات الوطنية اللازمة لبناء منظومة تشريعية فعالة ومتكاملة.
ويتجلى هذا التكامل التشريعي في لوائح ومواصفات قياسية خليجية عديدة، أبرزها لائحة المتطلبات العامة للمركبات الخليجية (GSO 42/2015) التي تشير وبشكل واضح تحت بنود متطلبات نظام تبريد المركبة، إلى إلزامية تزويد المركبة بنظام تبريد مناسب لمناخ دول مجلس التعاون الخليجي لضمان كفاءة تشغيل السيارة في ظروف القيادة المختلفة.
كما نجد ذات التكامل في اللائحة الفنية الخليجية للأجهزة والمعدات الكهربائية منخفضة الجهد من حيث إلزام المصنعّين بحسب الملحق الأساسي لمتطلبات السلامة والتوافق المغناطيسي الخاصة بالأجهزة الكهربائية بأن تكون الأجهزة والمعدات الكهربائية مصممة للعمل في الأجواء الداخلية والخارجية بحسب ما يتناسب مع الظروف المناخية في الدول الأعضاء.
ومن جانب تشريعات السلامة الوقائية، فإن منظمة التقييس الدولية (ISO) أصدرت نظام إدارة الصحة والسلامة المهنية (الوقائية) (ISO45001:2018) ضمن سلسلة مواصفات ونظم تستهدف فئة لم تكن مشمولة بمخرجات أجهزة التقييس الإقليمية والدولية، إذ كانت في الغالب توعز إلى الأجهزة الحكومية المسؤولة عن الصحة والسلامة الوقائية كإدارة السلامة والصحة المهنية الأمريكية (OSHA).
كما نجد أن جميع دول المجلس تمنع العمل في الأماكن المفتوحة والمكشوفة خلال فترة الظهيرة بمواسم الصيف شديدة الحرارة وذات المناخ السيئ وفق التالي:
توقيت الحظر |
فترة الحظر | مدة الحظر | التشريع |
الدولة |
12:30 مساءً – 3:00 مساءً |
15 يونيو – 15 سبتمبر | 3 شهور | قرار وزاري صادر في سنة 2010م | دولة الإمارات العربية المتحدة |
12:00 مساءً – 4:00 مساءً |
1 يوليو – 31 أغسطس | 2 شهر | قرار رقم 3 لسنة 2013 |
مملكة البحرين |
12:00 مساءً – 3:00 مساءً |
15 يونيو – 15 سبتمبر | 3 شهور | قرار وزاري رقم 3337 صادر بتاريخ: 15/7/1435م |
المملكة العربية السعودية |
12:30 مساءَ – 3:30 مساءً |
1 يونيو – 31 أغسطس | 3 شهور | قرار وزاري رقم 286 لسنة 2008م
المادة (16) |
سلطنة عمان |
10 صباحاً – 3:30 مساءً:00 |
1 يونيو – 15 سبتمبر | 3.5 شهر | قرار رقم 17 لسنة 2021م |
دولة قطر |
11:00 صباحاً – 4:00 عصراً | 1 يونيو – 31 أغسطس | 3 شهور | قرار إداري رقم 535 لسنة 2015م |
دولة الكويت |
حيث تكرس هذه الأنظمة والتشريعات مبدأ السلامة والوقاية الشمولية للعاملين، فقد لاقت هذه الأنظمة والتشريعات استحسان منظمات دولية عديدة كمنظمة العمل الدولية، كما نجد أن بعض التشريعات الصادرة في دولة المجلس تراعي متطلبات في بيئة العمل لم يتم التطرق لها في أغلب دول العالم كالإلزام بتوفير مياه الشرب وتزويد العمالة بمعدات الحماية الشخصية الملائمة للطقس الحار ورصد الظروف المناخية في بيئة العمل وإيقافها بمجرد الوصول إلى ظروف قاسية مع الإلزام بعمل تقييم لمخاطر الإجهاد الحراري في بيئات العمل، ومن المؤكد أن هذا التكامل يصب في مصلحة كلً من المواطن والمقيم على أراضي بلداننا الخليجية.
*أخصائي مطابقة في هيئة التقييس الخليجية