أصبح من الواجب على هيئات التقييس العربية أن تحرص على إقناع الجمهور بالمواصفات القياسية التي تصدرها وتتخذ من الإجراءات عن طريق أجهزة الدولة والأخذ بيد المعنيين لاستعمال هذه المواصفات لأن الهدف من إصدار هذه المواصفات يكمن في إيجاد المعيار المناسب الذي يحتكم إليه البائع والمشتري، مع العلم بأن إعداد وإصدار المواصفات القياسية لا يعتبر إنجازاً في حد ذاته ما لم توضع تلك المواصفات موضع التنفيذ وهذا لا يتم إلا عن طريق برنامج عمل إعلامي والذي يشكل ضرورة في عمل التقييس، وأن هـذا العمل الإعلامي في هيئات التقييس لا يجب أن يُنظـر إليه كعمل جانبي أو عمل مكمِّل ولكن يجب إعطاؤه الاعتبار الكافي بأنه ظاهرة من ظواهر الإدارة الحسنة والتنظيم الجيد والسليم لأن عمل الإعلام يساعد الإدارة في تحقيق برامجها والوصول إلى أفضل النتائج.
الإعلام في هيئات التقييس عملية تبدأ بمعرفة المخبر الإعلامي بمعلومات ذات أهمية أي معلومات جديرة بالنشر والنقل ثم تتوالى مراحلها: تجميع المعلومات من مصادرها، نقلها، التعامل معها وتحريرها ثم إرسالها ونشرها عبر وسائل الإعلام المختلفة.
وتختلف أهداف الإعلام في الجهاز الوطني للتقييس باختلاف الإطار الجغرافي، فعلى المستوى الوطني يتم التركيز على التعريف بأنشطة التقييس التي يقوم بها الجهاز في المناطق الجغرافية آخذين في الاعتبار المستوى المعرفي للجمهور والبنية الثقافية العامة لكل منطقة.
أما على المستوى الإقليمي فيتم إضافة التعاون الاقتصادي وضرورة التنسيق فيه لإمكان التوصل إلى إقامة سوق إقليمية مشتركة وكتلة اقتصادية موحدة بمقياس موحد تراعى فيه ظروف كل إقليم.
وعلى المستوى الدولي فإنه يتم التركيز على دور التقييس في تيسير التجارة الدولية وتدعيم التعاون بين الدول والكتل الاقتصادية والمزايا التي تنجم عن ذلك، ونشر المعلومات والنشاطات الخاصة بالتقييس وإزالة المعوقات غير التجارية وغير التنافسية.
من المهم إعداد الرسالة الإعلامية المرتبطة بالتقييس وفق أسس ومعايير باعتبار أن الرسالة هي المحور الأساس في عملية الاتصال على أن تتم صياغة رموزها واختيار عباراتها وكلماتها بدقة متناهية بحيث تحمل نفس المعاني التي يستهدفها المرسل إلى المستقبِل.
وحتى يؤدي الإعلام بالتقييس دوره يكون من المهم أولاً أن يتم تصنيف الأطراف أو القطاعات التي يسعى جهاز التقييس لمخاطبتها وتقديم المعلومات إليها، ويسبق ذلك دراسة خصائص هذه الأطراف والتعرف على اهتماماتها لتحديد طبيعة المعلومات التي يهتم بها كل طرف ومن ثم التركيز عليها.
ولتقديم الرسالة الإعلامية لأي قطاع من هذه القطاعات ينبغي الأخذ في الاعتبار:
1- تحديد الهدف بدقة ووضوح، وهو الغرض من عملية الاتصال.
2- الدراسة الدقيقة والمتعمقة للجماهير المستهدفة واختيار نوع الرسالة والوسيلة المناسبة.
3- التقييم المستمر لردود أفعال الجماهير ومدى الاستجابة.
ونجاح العمل الإعلامي بهيئات التقييس يتوقف على تخطيط عملية الاتصال بالجماهير وفق الأسس المعروفة، وتتلخص عملية الاتصال بالجماهير أو العملية الإعلامية في: من يقول؟ ماذا يقول؟ وأي وسيلة يستخدم؟ وإلى من؟ وبأي تأثير؟ ووظيفة الاتصال بالجماهير عملية مستمرة ومركبة. لذا فإن نجاح الرسالة الإعلامية في هيئات التقييس يعتمد اعتماداً كبيراً على تكامل عمل هذه العناصر خلال العملية الاتصالية لنشر ثقافتها ومفاهيمها ومضامينها.
الرسالة الإعلامية ذات العلاقة بالتقييس وحماية المستهلك:
يحتاج المستهلك إلى ثقافة عامة لايمكن أن تصل إليه إلا عن طريق استخدام وسائل الإعلام في عمل التقييس. وتعتبر وسائل الإعلام قوة تحريرية لأنها تحطم قيود المسافات فهي تقرب البعيد وتجعل الغريب مفهوماً. ويجب أن تتحلى الرسالة الإعلامية الخاصة بالتقييس وحماية المستهلك بصفات مهمة منها:
1- البساطة في المضمون المعروض عبر وسائل الإعلام المختلفة للوصول إلى إقناع الناس بالمواقف التي تريد والاتجاهات التي ترغب فيها.
2- التكرار والتنويع لتثبيت اتجاهاتها ومواقفها من خلال الترشيد والإرشاد، فالتكرار يعتبر وسيلة معينة في تثبيت الآراء المطروحة وكذلك المعلومات المهمة في العرض، فالتكرار يشد انتباه الناس لأهمية المعلومات.
3- التنظيم الذي يعتمد التطور والتسلسل في العرض من المقدمة إلى الخاتمة مروراً بالتفاصيل يعتبر من أنجح الأساليب التي تحقق الفاعلية الجيدة في الإقناع.
الوعي الاستهلاكي ودور المستهلك في دعم التقييس وحماية المستهلك:
تعتبر ثقافة التقييس والمستهلك جزء من عملية تطور كاملة نحو مجتمع صناعي لذا تقوم الهيئات المختصة بتوعية المستهلك ومساعدته على التمييز بين السلع. فالوعي الاستهلاكي يعنى إعداد المستهلك وتزويده بمهارات ومبادئ ومفاهيم ضرورية للمعيشة كي يصبح مستهلكاً واعياً ويستفيد من موارده أقصى استفادة. وعلى المستهلك مساندتها من خلال:
– تأكيد ثقته في الجهات التي تعمل لحمايته.
– الالتزام بالرسائل الإرشادية والتوجيهية التي تصدرها أجهزة التقييس وحماية المستهلك.
– البعد عن تداول الخوف.
– التعامل بإيجابية في تعزيز حماية نفسه والمجتمع من خلال التواصل الفعال مع الجهات التي تعمل من أجل حمايته.
– محاربة الظواهر السالبة التي تضر بالمجتمع.
طريق النجاح:
بالنظر إلى أن التبرير الوجودي لجميع الأنظمة الاقتصادية باختلاف هياكلها يعتمد على ضرورة تغطية احتياجات الإنسان من خلال تنظيم استغلال الموارد بالشكل الأمثل لذلك تقوم هيئات التقييس وحماية المستهلك بدور المرشد للإنسان للمحافظة على هذا الموارد المحدودة، وإذا أريد لها النجاح فعليها أن:
– تتوجه بذكاء إلى المستهلك تقنعه وتعرف كيف تستخدم وسائل الاعلام بحنكة.
– التعاون مع أجهزة الاعلام كي تستطيع أن تقوم بدورها في تثقيف المستهلك بشكل فعال.
– مراعاة كتابة التصاريح الإعلامية مباشرة لوسائل الإعلام مع التأكيد لها بعدم تغيير المحتوى والمضمون وحتى العنوان حتى لايفهم بغير معناه الحقيقي المقصود.
– كسب مساندة ودعم الحكومة لها مادياً ومعنوياً وفنياً وتعزيز قناعتها بأهمية هذا العمل الذي يهدف لتحقيق تنمية مستدامة قوامها النفس البشرية.
الدور المطلوب من وسائل الإعلام للمساهمة في نشر ثقافة التقييس وحماية المستهلك:
1. المعرفة التامة بطبيعة عمل ومفردات التقييس وحماية المستهلك، ويتم ذلك عن طريق الاطلاع والتواصل الفعال مع هيئات التقييس ومنظمات حماية المستهلك.
2. التعامل بمبدأ المصلحة العامة والموضوعية في تناول قضايا المستهلك.
3. البعد عن الإثارة في تقديم الأخبار الخاصة بموضوعات التقييس وحماية المستهلك.
4. التركيز على تقديم الرسائل الإرشادية بكافة الأشكال الإعلامية.
5. تقديم المعلومات الصحيحة وتحري الدقة والعلمية.
ختاماً فدور وسائل الإعلام في نشر ثقافة التقييس وحماية المستهلك يظهر جلياً في تطبيق المجتمع الراقي لأبسط المواصفات القياسية واحترام حقوق الاخرين، وأن قول الحقيقة سواء كان لمن يقدمون الخدمة للمستهلك أو يطبقون أنشطة التقييس وحتى من يقدم لهم المادة الإعلامية يجب أن يتحلى بمواصفة الأخلاق. وهذا ما نرجوه ونتطلع إليه ليس لنا الآن فحسب بل للأجيال القادمة.
* مدير العلاقات العامة والإعلام بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس، عضو الفريق العربي المختص لحماية المستهلك.