يعني التقييس (التوحيد القياسي) في أبسط معانيه، وضع الأسس والقواعد الكفيلة بتنظيم أي نشاط يزاوله الإنسان في حياته ومعاشه، وكان للتقييس دور في تطور حياة الإنسان وفي رقيه سلم التقدم والتحضر وذلك عن طريق تنظيم أنشطته وتسيير أعماله.
ومع ذلك فإن أهميته لم تتضح ولم تتبلور إلا في نهاية العقدين الأخيرين من القرن الماضي عندما ساهم التقييس بشكل فعال في القطاع الصناعي حيث أدى استخدام المواصفات والمقاييس الموحدة إلى تبسيط جميع العمليات الصناعية مع الحصول على إنتاج متجانس ومتماثل ساعد نحو فتح آفاق جديدة في الإنتاج الصناعي وإلى زيادة الكفاية الإنتاجية التي ساهمت بدورها في خفض كبير في تكاليف الإنتاج مع تحسين في نوعيته وجودته وكفاءته إلى جانب التخفيف من الهدر والحد من الخسائر، كما مهد التقييس الطريق نحو إدخال الميكنة الحديثة والتقنيات المستجدة في العمليات الصناعية مما ساعد في تطويرها وتحسين إنتاجها وضمان سلامتها ورفع كفاءتها كما ونوعا وبالتالي زيادة فرص التسويق والاستثمار والتوسع والانتشار.
إن التقييس يرتكز على النتائج الراسخة للعلم والتجربة والخبرة والتقنيات الحديثة، وهو لا يحدد أسس التحديث الحاضر فحسب بل يساير التقدم والرقي ويواكب التطورات المستجدة أيضا.
أسس التقييس:
هناك أسس ثلاثة ترتكز عليها عملية التقييس وهي التبسيط والتوحيد والتوصـيف، ويمكن توصيف كل منها كما يلي:
التبسيط: هو اختصار عدد نماذج المنتجات إلى العدد الذي يكفي لمواجهة الاحتياجات السائدة في وقت معين، وذلك باستبعاد النماذج الزائدة دون مبرر أو استحداث نموذج جديد يحل محل نموذجين أو أكثر دون أن يخل ذلك بحاجات المجتمع ورغبات المستهلكين، أي أن التبسيط يهدف إلى منع تعدد وتنوع النماذج المختلفة من السلع الشائعة الاستخدام لما يسببه ذلك من إسراف في المال وإضاعة في الجهود الإنتاجية والموارد المتاحة، فالتبسيط إذن يؤدي إلى استغلال الموارد المتاحة وزيادة حجم الإنتاج الأمر الذي يؤدي إلى خفض التكلفة وبالتالي إلى تعميم فوائده ومزاياه على المنتج والعامل والتاجر والمستهلك على حد سواء.
التوحيد: ويعني توحيد مواصفتين أو أكثر لجعلهما مواصفات موحدة ومتجانسة كي يمكن للمنتجات أن تكون قابلة للتبادل عند الاستخدام في أكثر وأوسع ما يمكن من القطاعات والمجالات. والتوحيد عملية إبداعية فنية تستهدف تحديد واتباع أمثل مستويات التصاميم وأعلى درجات النوعية وأحسن عمليات الابداع والابتكار. ومن الجدير بالذكر أن الأمر يلتبس أحيانا بين التبسيط والتوحيد، ولإزالة هذا اللبس فيمكن الإشارة إلى أن التبسيط يتعلق بالسلع الكاملة ومظهرها واستخداماتها وصفاتها الإجمالية، في حين أن التوحيد يختص بالأجزاء والمكونات والتفاصيل الدقيقة.
التوصيف: هو مجموعة المتطلبات التي يجب تحقيقها في منتج أو مادة أو عملية إنتاجية مع إيضاح طريقة الفحص والمعاينة والاختبار التي يمكن بواسطتها التحقق من توافر هذه المتطلبات واستيفائها، وهذا التحديد الدقيق يضمن اختيار الخواص المناسبة وأكثر المواد ملاءمة، كما يعمل على تنظيم الإنتاج وتنسيقه فضلا عن تمكينه المنتجين والمستهلكين من التفاهم بلغة فنية مفهومة واحدة.
أهداف التقييس
إن الأسس الثلاثة السابقة (التبسيط والتوحيد والتوصيف) التي تتضمنها أسس التقيس لها آثار بعيدة المدي في جميع أنشطة الحياة، فالتقييس ليس غاية في حد ذاته بل أنه وسيلة فعالة لتحقيق أهداف متوخاة لعل من أهمها ما يلي:
- استغلال الموارد الطبيعية على أكمل وجه.
- تحسين الإنتاج كماً ونوعاً.
- خفض التكاليف وتقليل الهدر وزيادة الكفاية الإنتاجية.
- التنظيم الداخلي للشركات والمؤسسات والهيئات.
- إمكان إقامة صناعات وطنية وما يتبع ذلك من إيجاد وتحسين فرص العمل وزيادة في الدخل القومي.
- إحكام الرقابة على الاستيراد وجعله أكثر تجانسا وملاءمة للأحوال والظروف المحلية.
- ازدياد الصادرات وتنوعها وانتشارها واتساع الأسواق الخارجية.
- المساهمة في تنظيم الأسواق وإحداث توازن أكثر بين حالات العرض والطلب.
- الإقلال من المنازعات والدعاوى والشكاوى والخصومات.
- تحسين الظروف الاقتصادية ورفع مستوى المعيشة لأبناء الوطن.
مجالات التقييس:
لا تقتصر فوائد التقييس على مجالات الصناعة فحسب بل تتعداها إلى مختلف أنشطة الاقتصاد الوطني، ففي مجال التجارة والصناعة يؤدي توحيد المصطلحات التقنية والتجارية والصناعية ووضع مواصفات دقيقة للخامات والسلع وطرق فحصها واختيارها وتداولها وتوحيد وحدات الوزن والكيل والقياس إلى تيسير المعاملات التجارية والإسراع بها مع إرسائها على أسس محدثة وواضحة وعادلة. ففي مجال الصحة والسلامة المهنية يؤدي وضع المواصفات الصحية في عمليات التعدين والتصنيع وفي صنع وخزن وتداول الأغذية وتحديد مواصفات دقيقة للأدوية والمستلزمات الطبية إلى تخفيف الحوادث والحد من الأمراض والمحافظة على صحة وسلامة المواطنين. وفي مجال الإنشاء والإسكان والمرافق فإن وضع مقاسات ومواصفات موحدة لمواد البناء يؤدي إلى تبسيط وتيسير عمليات البناء مع خفض تكاليفها كما أن وضع الأسس الفنية للتصميم والتنفيذ في الإنشاءات والمرافق يؤدي إلى ضمان السلامة والأمان فيها. وفي مجال الزراعة فإن تنظيم عمليات الزراعة في جميع مراحلها بدءا من انتقاء البذور الجيدة طبقا للمواصفات وتهيئة الأرض وتسميدها بالأسمدة ذات المواصفات القياسية المناسبة يؤدي إلى استغلال التربة على أكمل وجه ومن ثم زيادة المحصول وبلوغ جودته مما يسهل تبادله ورواجه. وفي مجال النقل والمواصلات فإن وضع مواصفات قياسية للطرق والجسور وأرصفة الموانئ ومدارج الطائرات يؤدي إلى سهولة الانتقال مع مراعاة متطلبات الأمن والسلامة. كما أن توحيد إشارات المرور يؤدي إلى تسهيل المرور ضمن البلد وعبر البلاد المختلفة مع ضمان السلامة وتخفيف الحوادث. وفي مجال البريد يؤدي توحيد مقاسات الخطابات والمغلفات ووزن الورق المستخدم إلى سرعة تداول المكاتبات والى استخدام الآلات ذاتية الحركة مما يسبب وفرا كبيرا في التكاليف. وفي مجال التعليم والثقافة والعلوم والترجمة فإن توحيد المصطلحات والرموز العلمية يساعد كثيرا على نشر الثقافة وتبادل المعرفة والأبحاث بين الأمم. وفي مجال الشؤون الإدارية والمالية فمن أهم الأمثلة في هذا المجال ما يتعلق بالمخازن حيث يمكن تقليل عدد نماذج وأنواع الخامات مما يؤدي إلى نقص كمية المخزون وبالتالي نقص حجم التخزين وتبسيط عمليات الجرد والحسابات. وفي مجال الأجهزة والمعدات الكهربائية فإن المواصفات القياسية عليها معول كبير في رفع كفاءتها وتحسين أدائها وزيادة عوامل السلامة الأمان في استخدامها وكذلك إلى التوفير في استهلاكها للطاقة.
فوائد التقييس:
للمنتج:
- تقليل كمية المواد المخزونة سواء أكانت خامات أو منتجات نهائية، وهذا بالتالي يؤدي إلى خفض المساحة اللازمة للتخزين كما أنه يحقق وفرا في رأس المال المستثمر في شراء المخزون الراكد ووفرا آخر في الفوائد المترتبة على رأس المال، كذلك يؤدي إلى تيسير عمليات النقل وخفض في تكاليفها.
- توفير في رأس المال المستثمر نتيجة لتخفيض الآلات والعدد وقطع الغيار المستخدمة في الإنتاج.
- التحقق من عدد مرات وقف الإنتاج لتعبئة وإعداد وإعادة ضبط الآلات قبل إنتاج الأنواع والمقاسات المختلفة مما يؤدي إلى إطالة فترات تشغيل الآلات.
- تبسيط عمليات التخطيط والمراقبة والتفتيش للإنتاج.
- تيسير عملية البيع وخفض تكاليفه نتيجة لعرض نماذج محدودة وما يتبع ذلك من تركيز الجهود على تصريف هذا العدد من المنتجات وإمكان إلمام مسئولي البيع بها وإجادتهم في الترغيب في مزاياها والجذب لها وترويجها.
- زيادة إنتاجية العاملين وآلات الإنتاج على حد سواء وتحسين جودة السلع والمنتجات.
- تسهيل تدريب العاملين مع زيادة احتمالات استمرارهم في العمل بدلا من تشغيلهم موسميا فقط.
- زيادة دوران رأس المال نتيجة للاستمرار أو الانتظام في الإنتاج وسرعة تصريف المنتجات.
للعامل:
- سهولة تدريبه ورفع كفاءته مما يؤدي إلى زيادة ربح للمنتج بما يمكنه من رفع أجور العمال .
- كفاية وقت التدريب، إذ كثيرا ما يتقاضى العامل أجورا أقل خلال التدريب.
- زيادة اطمئنانه إلى عمله نظرا لانتظام الإنتاج.
للتاجر:
- تيسير عمليات البيع وتصريف المنتجات.
- الإقلال من المساحة والمخزون.
- خفض تكاليف نقل السلع وتداولها.
- تقديم خدمات أفضل نظرا لتوفر السلع مع ارتفاع جودتها وسرعة تسليمها .
- سرعة دوران رأس المال، أي زيادة الأرباح السنوية نتيجة لزيادة حركة السلع المخزونة نظرا لكون الأنواع المحدودة مرغوبة وتفي تماما بالاحتياجات الفعلية المضمونة.
- خفض رأس المال المستثمر في الاحتفاظ بالسلع وقطع الغيار.
للمستهلك:
المستهلك هو المستفيد الأكبر والمباشر إذ أنه هو الذي سيدفع في نهاية المطاف الثمن من جيبه، حيث يتحمل وحده التكاليف المتعلقة بالسلعة بدءا من المادة الخام إلى أن تصل إلى يده جاهزة للاستعمال، لذلك فهو يستفيد فائدة كبيرة منها على سبيل المثال:
- تخفيض محسوس في أسعار السلع.
- تحسين كبير في الخدمات من حيث توفر السلع والسرعة في استلامها وسهولة إصلاحها وصيانتها.
- ارتفاع مستوى الجودة للسلع والمنتجات التي يقتنيها.
* أستاذ كرسي الزامل لترشيد الكهرباء -جامعة الملك سعود
مستشار لدى الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة
رئيس الفريق الفني للمقاييس الكهربائية والألكترونية بالهيئة
نائب رئيس اللجنة الفنية للمتطلبات الكهربائية لكود البناء السعودي وكود البناء الخليجي