دعونا نتفق أن حماية المستهلك لن تتحقق بصورة كاملة في ظل هذا الاندياح الكبير للمنتجات، وكذلك المد السلعي الذي يغطي كل مساحات المستهلك، فالحاجة المضطردة للأشياء الاستهلاكية باتت محور اهتمام المصنعين والمنتجين، حتى المستهلك نفسه أصبح يطالب كل الصناع والزراع بتوفير ما يحتاجه ويرضي تطلعاته.
إذن ما بين الرؤية الربحية للمنتجين والرغبة الإشباعية للمستهلكين، تظهر هنا وهناك مظاهر الغش والخداع والتدليس، وفي تقديري أن المنتجين اليوم يتحملون مسؤوليات جسام في توفير السلع والمنتجات، ويجب علينا أن نعترف لهم اعترافاً صادقاً بالامتنان لما يتحملونه، وفي المقابل يجب عليهم تقديم الأفضل للمستهلك، واحترام حقوقه، وإسماع صوته، فهم في المقام الأول مستهلكون نهائيون.
قد يفهم البعض أن ما ذكرته نوع من التشاؤم في أن يجد المستهلك الحماية الكاملة، ولكني أقول لكم: هل نحن نعيش في عالم فاضل؟ وكيف تستقيم الحياة بدون الكثير من الثنائيات التي نعايشها منذ آلاف السنين! بل قل منذ بدء الخليقة؟، فطالما هناك تجارة واستهلاك يتطلب الأمر قانوناً وحماية، وقبل كل ذلك يجب وجود الوعي الكافي وسط المجتمع.
وهكذا، في ظل تزايد التقليد والغش وتطور الجريمة في حق المستهلك، تتطور أيضاً وسائل الحماية ويرتفع وعي المستهلك (فلا يمكن أن يلدغ المستهلك من ضرر السلعة مرتين)، وتأتي أدوار مشتركة ما بين الدولة ممثله في هيئات التقييس وأجهزة وجمعيات حماية المستهلك والمنتجين والمصنعين، حتى المستهلك نفسه، فهو صاحب القرار الأوحد في الشراء وتوجيه حركة السوق. بل هو رمانة الميزان التجاري ككل، فبدون مستهلك لن تجد أي صناعة سوقاً لها، وبدون صناعة من أين سيجد المستهلك احتياجاته؟ فهي الثنائية المثلى التي نطلبها، اعتراف بالجميل من المستهلك للمنتجين، وفي الجانب الآخر احترام من المصنعين لرغبات المستهلكين وتوفيرها بأقصى درجات الأمان والسلامة، وتأكيدات الالتزام بكل المواصفات والاشتراطات والقواعد الفنية التي تضمن وصول السلعة آمنة ليد المستهلك.
ولعل القانون وحده لا يثني من غاب ضميره من الكف عن التلاعب بقوت المستهلك ومحاولات الكسب السريع، ولو على ضرر الآخرين. فالدعوة هنا لتكامل الأدوار: توعية وقانوناً والتزاماً خاصاً مبنياً على مسؤولية عظيمة نستشعرها تجاه بعضنا البعض، وإن تحقق ذلك ولو جزءاً أستطيع أن أعد المستهلك بحياة صحية وبيئة معافاة.
وفي جانب آخر أدعو المستهلك لدعم النظرة التفاؤلية للواقع الجديد بالبعد عن كل ما يساعد في انتشار أو استمرار الظواهر السالبة التي تفتح الباب لمزيد من ضياع حقوقه، فلنبدأ اليوم بمنع أنفسنا من شراء كل ما هو مفروش على الأرض أو معروض بصورة مخالفة للمواصفات، أو من أي بائع جائل؛ هي خطوه فلنبدأ بها.