يُعد تطبيق المواصفات القياسية والتشريعات المترولوجية من أهم الأسس لإيجاد بنية تحتية للجودة في العديد من القطاعات الصناعية والخدمية، وهو أمر بالغ الأهمية للحفاظ على أعلى جودة للمنتجات والخدمات المختلفة. والعكس صحيح، فإن الإخفاق في مراعاة القواعد المتعلقة بالقياس والمعايرة وتطبيق المواصفات القياسية للمنتجات يؤدي إلى عدم نفاذ المنتجات إلى الأسواق، بالإضافة إلى الآثار السلبية على الصحة والسلامة والبيئة.
كورونا… والبنية التحتية للجودة
سلطت أزمة فايروس كورونا المستجد COVID-19 الضوء على أهمية البنية التحتية والمواصفات القياسية النوعية وخدمات القياس والمعايرة، ودورها في ضمان توافر الأجهزة الطبية الرئيسية وأجهزة التشخيص الطبي ومعدات الحماية ذات الاستخدام الشخصي، وكذلك ضمان جودة ودقة الاختبارات والقياسات تسهم بشكل أساسي في التشخيص الصحيح وأساليب الرعاية اللازمة والمراقبة العلاجية الضرورية لمكافحة فايروس كرونا المستجد COVID-19.
ومن هنا ندرك الدور الرائد لتطوير المواصفات القياسية واللوائح الفنية وعمليات القياس والمعايرة حيث أنها تمس وبشكل مباشر وغير مباشر جوانب عديدة من الممارسات الدولية في التجارة البينية والاستثمارات في القطاعات التجارية والصناعية المختلفة.
ولقد أظهرت لنا جائحة فايروس كورونا المستجد أن توحيد المعايير التقنية لأنشطة التقييس (مواصفات، مقاييس، مطابقة) تسهم بإنقاذ البشرية من الأزمات المستجدة والحفاظ على صحة الإنسان واستمرار الحركة التجارية الدولية، كما أنها تضمن موثوقية الاختبارات الطبية للكشف عن الفايروس، والاختبار الأمثل للمنتجات الطبية التي تناسب الغرض الوظيفي لها؛ ودعم أنشطة المختبرات لتطوير أدوية ولقاحات جديدة بأساليب علمية يمكن التحقق منها.
أهمية المواصفات القياسية
يُعد استخدام المواصفات القياسية في ظل هذه الجائحة أمراً بالغ الأهمية لضمان تلبية المنتجات والخدمات للمتطلبات المتفق عليها، كما أنها تعمل على التخفيف من الآثار السلبية للجائحة العالمية وذلك باستيفاء متطلبات المواصفات القياسية واللوائح الفنية للأجهزة والمستلزمات الطبية، واتباع الإجراءات السليمة في المختبرات الطبية، والمواصفات المختصة باستمرارية الأعمال وإدارة الطوارئ، والصحة والسلامة الغذائية، وكل ما يتعلق بالبيئة وإدارة النفايات بالطرق والآليات الصديقة للبيئة.
كما بينت هذه الجائحة بشكل قاطع القيمة الفعلية والأساسية للمواصفات القياسية الموثوقة والمعتمدة إقليميا وعالمياً. حيث أشارت عدة تقارير في أوروبا ونقلاً عن منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية UNIDO عن عدم قدرة السلطات الطبية الوطنية على استخدام الأجهزة والمستلزمات الطبية التي تم تسليمها حديثاً والمصممة لمحاربة الفايروس التاجي، مثل الملابس والأقنعة الطبية والأدوات الطبية التي تستخدم في عمليات التشخيص الطبي والاختبارات، إما بسبب عيوب مصنعية أو لمجرد أن هذه المنتجات لم يتم تصميمها طبقاً للمواصفات القياسية المعمول بها في تلك المنطقة، مما يتسبب في إضاعة الوقت الثمين وتعريض المهنيين الطبيين والمرضى للخطر نتيجة النقص الحاد في التجهيزات الطبية.
أهمية المترولوجيا
تحظى المترولوجيا (علم القياس) بذات الأهمية في سياق مواجهة جائحة فايروس كورونا، حيث تلعب القياسات الكيميائية والبيولوجية الدقيقة دوراً حيوياً في هذه الجائحة من خلال توفر المواد المرجعية المعتمدة (Certified Reference Materials CRMs) وطرق القياس المرجعية والتي يمكن للمختبرات التحليلية أن ترتكز عليها في نتائج القياس، والمساعدة على تقليل احتمالية وجود نتائج اختبار خاطئة إما إيجابية أو سلبية.
ويبرز أيضا دور المترولوجيا من خلال الطلب العالمي المتزايد أثناء الأزمة (وبشكل يومي) على أدوات قياس دقيقة مثل موازين الحرارة، ومقاييس ضغط الدم، وعدادات تدفق الأكسجين، ومقياس تدفق السائل التي تستخدم في الادوية، وما إلى ذلك والتي يجب أن تكون موثوقة، والذي بدوره وبشكل مضطرد يساهم في زيادة الطلب على شهادات أدوات القياس.
مبادرات هيئة التقييس… في مواجهة جائحة كورونا
سعت هيئة التقييس لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالتنسيق مع أجهزة التقييس الوطنية في الدول الأعضاء وبالتعاون مع منظمة التقييس الدولية ISO واللجنة الدولية الكهرو تقنية IEC إلى اتخاذ عدد من الإجراءات اللازمة لمواجهة جائحة فايروس كورونا، تضمنت على سبيل المثال لا الحصر، تبني عدد من المواصفات القياسية الدولية في مجال الأجهزة والمستلزمات الطبية والصحة والسلامة الغذائية والتي تختص بهذه المرحلة، إضافةً إلى إطلاق حزمة من المواصفات القياسية للاطلاع عليها وبشكل مجاني للمساهمة في تسهيل إجراءات القطاعين الصناعي والتجاري في الدول الأعضاء، وأيضاً المساهمة في نشر التوعية والممارسات السليمة من خلال حسابات الهيئة على منصات التواصل الاجتماعي.
*باحث أول مقاييس – هيئة التقييس