تمثل المواصفات القياسية أساساً للجودة بما في ذلك توفير المستندات والمراجع المعيارية المتعلقة بالمتطلبات والإرشادات والخصائص التي يمكن استخدامها، لضمان ملاءمة المواد والمنتجات والعمليات والخدمات والسياسات الإدارية المنصوص عليها في تلك المواصفات.
ويتطلب التوحيد القياسي في ممارسة وضع المقاييس والعمل والتواصل مع أحدث التطورات ومتابعتها وتحسينها. ولذلك في الأغلب ما نرى في بعض دول العالم هيئات متخصصة لمتابعة وتحديث المواصفات والمقاييس من أجل تقديم أفضل الخدمات للمستفيدين والحفاظ على صحتهم وسلامتهم، ومن ثم العمل على تطوير المواصفات القياسية واللوائح الفنية لحماية الأسواق من السلع المقلدة والمغشوشة ودعم الاقتصاد الوطني.
وفي مملكتنا المملكة العربية السعودية تم إنشاء الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة في عام 1972م تأكيداً وترسيخاً لدور المواصفات والمقاييس والمعايير في الصناعات المختلفة مثل الكهرباء والمياه والمركبات والنقل والمنتجات الأخرى. لكن دعونا نتخيل الصورة من ناحية أخرى وهي، ما الذي سيحدث فيما لو لم تكن هناك مواصفات؟
لو كنا نعيش دون مواصفات، فلن تكون هناك طريقة لمعرفة التحسينات التي يجب إجراؤها لرفع الأداء أو رؤية واضحة لتأثير التغييرات التي تم إجراؤها لمنتج ما، إذ من الصعب التحسين على قاعدة من الفوضى الفنية.
يقول تايتشي أونو وهو خبير ياباني في التحكم في الإنتاج لشركة تويوتا موتورز، التي أحدث نظامها مفهوم “كانبان”، وكان سبباً في إحداث ثورة في أساليب التصنيع، “دون مواصفات، لا يمكن أن يكون هناك أي تحسن”، وكأنه يشير إلى أن من المستحيل تحسين عملية غير موثقة ومطبقة بشكل غير متسق وغير مفهومة عالمياً إلا من خلال بوابة المواصفات.
من جانب آخر، لن تكون هناك ثقة بسلاسل التوريد العالمية للسلع والخدمات دون المواصفات القياسية الدولية، ولذلك عندما نفحص أرفف المتاجر المجهزة جيداً أو ندعو مقدم خدمة، فإننا نثق ونتوقع أن المنتجات أو الخدمات التي يقدمونها ستلبي التوقعات، ويعزى إلى المواصفات والمقاييس وتقييم المطابقة التي تقف وراءها. ولن تنجح الحياة اليومية التي نعيشها دون مواصفات، ابتداء من المنتجات التقنية إلى الأدوات المكتبية والمنزلية، وصولاً إلى الخدمات التي تغذي الاقتصاد الوطني، لأن المواصفات ضرورية لضمان السلامة والموثوقية وقابلية التشغيل البيني. وبالتالي، فإن الافتقار إلى المواصفات يعني مزيداً من الغموض والفوضى، وستكون إحدى النتائج التي لا مفر منها هي ضعف الموثوقية وتدني الجودة وغياب الاتساق في عموم الصناعة.
إن الافتقار إلى المواصفات والمقاييس يعني عدم تطابق المنتجات مع بعض وكذلك منصات البرامج والتكوينات، الأمر الذي يؤدي إلى صعوبة في تطبيق وتنفيذ المشاريع ونقص قابلية التوسع مع نمو الصناعة وفشل مقاييس الامتثال وبلوغ أهداف المنظمة أو الصناعة.
تقوم المواصفات على مساعدة المنظمات على تقليل التكاليف وتحسين الأداء، والإنتاجية بل تحسن الأعمال الداخلية وتوفر التكاليف في الامتثال التنظيمي وزيادة الإنتاجية. ولذلك فإن كل منظمة تتبنى مجموعة من المواصفات والمعايير ستضمن نتيجة أكثر أماناً واتساقاً سواء داخل المنظمة ذاتها، أم مع العميل أو المستخدم النهائي وعموم الصناعة.
وفي الختام، لا تزال المواصفات هي الجندي المجهول في عموم الصناعات وقد تغيب عن أعين العملاء وأصحاب المصلحة، على الرغم من الدور الجوهري للمواصفات في ضمان اتساق وجودة السلع أو الخدمات لهم وضمان سلامة السلع وقابلية التشغيل البيني وتوافقها.
جريدة الاقتصادية
*أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود