يُعبّر الباحث كريس بوروني من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الامريكية عن السيارات الحالية بالمقولة التالية: أن الحمض النووي للسيارات هو ذاته قبل مئة عام حيث لازالت السيارات لديها أربعة عجلات، بمحرك الاحتراق الداخلي الذي يعمل بالوقود، ثم مقصورة الركاب خلف المحرك، وتعتمد السيارة بشكل كامل على السائق.
إن ما يرمي إليه الباحث هو لفت الانتباه بأنه آن الأوان للتحول إلى مركبات مختلفة أكثر تطوراً وذكاء عمّا تعودنا عليها منذ سنين طويلة، إذ تطرح الأبحاث والمصانع أفكاراً ونماذج لوسائل نقل في غاية التطور وبأفق واسع لا حصر له، ولابد من مواكبة هذا التسارع وقبول التغير، حيث أنه لا محالة سيفرض وجوده كواقع شئنا أو أبينا.
وقبل الدخول في المجالات المتقدمة للمركبات لابد من الإشارة إلى وضعنا الحالي خصوصاً في الدول التي تعتمد سياراتها على الوقود، والتي تعتبر عوادمها من أكبر مصادر التلوث الهوائي. حيث تشير الدراسات أن متوسط ما ينبعث من عادم السيارة الواحدة في السنة من غاز ثاني أكسيد الكربون (Co2) يصل إلى 4,7 طن سنوياً!! وهو من الغازات الدفيئة التي تتسبب في الاحتباس الحراري ورفع درجة حرارة الكوكب.
ولو افترضنا جدلاً بأن التشجير يحل أزمة امتصاص هذه الغاز، ومع الأخذ في الاعتبار قدرة امتصاص الشجرة الواحدة لغاز Co2 يبلغ 22,7 كجم/سنة، فإن ذلك يعني أننا بحاجة إلى 207 شجرة لامتصاص غاز Co2 لسيارة واحدة فقط في السنة الواحدة!!! فكم يا ترى من المساحات سنخصص للتشجير أو من غابات الاشجار نحتاج لامتصاص الكم الهائل الناتج عن السيارات التي تجاوز عددها البليون سيارة، وتشير التقديرات إلى تضاعف عدد السيارات إلى 2 بليون بحول عام 2040م، فلنا أن نتخيل حجم الغاز الذي سيصدر عنها وحجم الكارثة التي سنعاني منها.
السيارات الكهربائية كبديل للسيارات التي تعمل على الوقود تعتبر خطوة «أولية» رائدة في مجال المحافظة على البيئة، وقد تعرضت السيارات الكهربائية للانتقادات في الآونة الأخيرة بسبب عمليات تصنيعها كونها تستهلك طاقة عالية من جهة، ومن جهة أخرى بأن شحنها للكهرباء يأتي أساساً أو جزئياً من الوقود الأحفوري.
إن عملية التحول للطاقة النظيفة قد لا تأتي مرة واحدة، لذا يتعين البدء من السيارات الكهربائية والانطلاق منها لعمل الجهات المختصة وصانعي السياسات معا لجعلها أكثر صديقة للبيئة بقدر المستطاع. ونحن نعلم أن الوقود الأحفوري لن يدوم، ما يؤكد أن كفاءة الطاقة وزيادة إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة هو المفتاح والبديل المستدام للطاقة وللحد من التأثير البيئي للسيارات الكهربائية وغير الكهربائية. لكن في المرحلة الحالية ينبغي أن يكون النقاش بمقارنة السيارات التي تعمل بالوقود مع السيارات الكهربائية كونها البديل المتاح. فالسيارات الكهربائية كونها بدون انبعاثات (zero emission) حتماً ستقلص انبعاثات الغازات الضارة التي تنطلق في الأوساط العامة حيث وجود السيارات مع الناس في مكان واحد، وتنحصر انبعاثات الغازات في أماكن تزويد الطاقة والتي يمكن معالجتها قبل اطلاقها، ما يجعل البيئة أكثر آمناً للإنسان. خصوصاً وأن الدراسات تشير إلى أنه بحلول عام 2050م سيعيش ما يقرب من ثلثي سكان العالم في المناطق الحضرية، ما يعني اكتظاظ الناس مع السيارات في مكان واحد وستكون المخاطر أشد في المرحلة المقبلة في حال لم يتم التحول إلى نقل صديق للبيئة.
والتحول للسيارات الكهربائية يتطلب استراتيجيات وطنية، حيث أن التصنيع موجود والتقنيات ماضية في التطور، لكن دون خطط واستراتيجيات وطنية من أعلى السلطات، لا تستطيع أن تكون السيارات الكهربائية البديل المتاح لعامة الناس للتحول لها، خصوصاً وأنها أغلى سعراً من السيارات الاعتيادية. والاستراتيجيات المعهودة في الدول التي تحفز استخدام السيارات الكهربائية تكون متكاملة بحيث تتضمن خطط زمنية في توفير البنية التحتية اللازمة من محطات كافية لشحن السيارات، ووسائل التعامل مع حوادث السيارات الكهربائية، مع حوافز تشجيعية لشراء ولتأمين السيارات الكهربائية كتخفيض الضرائب، أو الشحن مجاني في الأماكن العامة، أو تخفيض تعرفة الشحن، ووجود مواقع الكترونية معلوماتية داعمة، وغيرها من المميزات، مع دعم قوي للأبحاث العلمية لحل التحديات المصاحبة للسيارات الكهربائية.
وقد تتضمن الخطط جدولة زمنية للتخلص من السيارات التي تعمل بالديزل، وغيرها من البرامج التي تتكامل بعضها مع البعض في الدفع باتجاه شراء السيارات الكهربائية، الأمر الذي يحفز جهات التصنيع للمزيد من التطوير والحلول لتخطي التحديات.
وقد شهد قطاع تصنيع السيارات الكهربائية في الدول المتقدمة نمواً واسعاً وتطوراً هائلاً بسبب الاستراتيجيات الوطنية الداعمة له، ففي بداية التصنيع كان النقاش حول تحديات الشحن البطيء لبطاريات السيارات الكهربائية، وكفاءة وعمر البطاريات، والسرعة المحدودة لتلك السيارات، وغيرها، إلا أنه تم تجاوز الكثير منها بمزيد من البحث والتطوير بسبب زيادة الطلب على السيارات الذي يحركه الدعم الحكومي. وانتقلت الدول من استراتيجيات السيارات الكهربائية إلى مناقشة السياسات الوطنية للسيارات الذاتية القيادة وسبل توفير البنية التحية لها والخطط الزمنية الداعمة لها. والسيارات الكهربائية هي المنطلق للسيارات الذاتية القيادة، ويعتبر بعضها نموذجاً مصغراً منها من حيث ارتباطها بالعالم الخارجي من حولها، كرصد أقرب محطات شحن، والقدرة على رصد المشاة والتوقف وغيرها من الوظائف الذكية التي كان كريس بوروني يشير إليها.
من هنا لابد من الاستفادة من التجارب الناجحة في مجال السيارات الكهربائية لبدء تحريك الطلب نحوها من جانب المستهلكين ومن جانب التصنيع لعمل التغيرات اللازمة لتلك السيارات للأجواء الخاصة لبلداننا العربية. فإذا لم يكن هناك دعم وتحفيز قويان لن يكون هناك طلب ولا اهتمام من كلا طرفي المعادلة (المستهلك والصانع). وتختلف الحوافز المشجعة للسيارات الكهربائية من بلد إلى أخر إلا أن نجاح برامجها في التحول للسيارات الكهربائية مرهوناً بتلك الحوافز ابتداء، وبعد فترة زمنية يتم تخفيف الحوافز للتدرج في إنهاءها.
ومن البلدان الرائدة في مجال في مجال السيارات الكهربائية ولا تزال المتصدرة عالمياً لأعلى معدل لحصة تلك السيارات في أسواقها هي «النرويج»، إذ أن ثلث السيارات التي تم بيعها في عام 2016م هي من السيارات الكهربائية. ولدى النرويج هدف طموح بأن تكون مبيعات الطرازات الجديدة للسيارات حصرياً على صفرية الانبعاثات بحلول عام 2025م، فيما بلدان أخرى كفرنسا والمملكة المتحدة لها نفس الهدف بحلول عام 2040م.
عرضت النرويج امتيازات مغرية لتشجيع الناس لشراء السيارات الكهربائية، حيث طرحت ما يلي:
ضريبة الشراء: لا توجد ضريبة شراء ولا ضريبة القيمة المضافة عند الشراء.
ضريبة الطريق السنوية: 455 كرونا نرويجية (55 دولار امريكي) للسيارات الكهربائية أو الهجينة مقابل 2820 كرونا (342 دولار) لسيارات البنزين و 3290 كرونة (399 دولار) للسيارات الديزل.
لا رسوم على الطرق الخاصة.
موقف مجانية للسيارات الكهربائية وإمكانية استخدام ممرات الحافلات في المدن.
استخدام مجاني لمحطات الشحن والتي يفوق عددها 5،500 في أنحاء البلاد.
وقد ساهمت هذه الامتيازات على اجتياز الهدف الوطني للنرويج بأن يكون لديها 100 ألف سيارة كهربائية بحلول عام 2020م، وتجـاوزت هـــــــــذا الرقــــم في عام 2016 ولديها الآن أكثـر من 121000 سيـارة كهربائيـة.
إن الخطط الوطنية للسيارات الكهربائية في البلدان الاوروبية تأتي مدفوعة باهتمامها للبيئة وبالتزاماتها لموضوع تغير المناخ، وعلى سبيل المثال يجري حالياً لدى الاتحاد الأوروبي مناقشة مقترح المفوضية الأوروبية، بالإلزام بخفض 30 % من تصريف السيارات لثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030م مقارنة بالمستويات الموضوعة لعام 2021م، وتحتوي الخطة على حوافز لصنّاع السيارات لتحفيزهم للانتقال إلى السيارات الكهربائية، إضافة إلى تخصيص 800 مليون يورو (927 مليون دولار) لتطوير البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية.
وللحديث بشيء من التفصيل عن السيارات الكهربائية فيمكن استعراض الأنواع المتداولة حالياً والمقارنة بينها وبين السيارة التي تعمل على محرك الاحتراق الداخلي (ICE)، والأنواع هي كما يلي:
السيـــارات الكهربائيــة الهجيـــنـة (Hybrid Electric Vehicles (HEV التي تعمل بكلٍ من البنزين والكهرباء، حيث يتم توليد الطاقة الكهربائية فيها من خلال نظام الكبح الخاص بالسيارة لإعادة شحن البطارية. وتعمل السيارة عند بدء تشغيلها باستخدام المحرك الكهربائي، ثم يتم التحول بشكل تلقائي لتعمل بالبنزين عند الزيادة في الحمل والسرعة.
السيارات الكهربائية الهجينة مع الشحن من مقبس كهربائي، (Plug-in Hybrid Electric Vehicle (PHEV والتي يعمل المحرك الكهربائي فيها بشكل دائم على دفع العجلات، فيما يعمل محرك الاحتراق الداخلي بمثابة مولد لإعادة شحن البطارية عندما يتم استنفادها.
السيارات الكهربائية Electrical Vehicle، وهي التي تعمل بشكل كامل على الطاقة الكهربائية من خلال الشحن الخارجي لها، وحينما تبطئ السيارة سرعتها يكون وضع المحرك في الاتجاه المعاكس لإبطاء السيارة ويكون بمثابة مولد مصغّر يقوم بشحن البطارية.
مركبات خلايا الوقود الهــــيدروجــينية
(Fuel Cell ElectricVehicles(FCEV ، التي تنتج الكهرباء من خلال تفاعل كهربائي كيميائي باستخدام الهيدروجين والأكسجين، ولا يوجد لديها محرك الاحتراق الداخلي، وهي أيضا «عديمة الانبعاثات»، وخلية الوقود فيها تعمل بشكل مماثل للبطارية، ولكن على عكس البطارية فإنها لا تحتاج إلى إعادة شحن، ويتم تعبئة السيارة بالهيدروجين بدلا من الوقود العادي.
إن التطورات المتسارعة في وسائل النقل باتت هي التي تقود العالم إلى مستقبل مختلف مفتوح الآفاق بدلاً من كوننا نحن من يقود تلك المركبات، والحديث يطول حول المركبات ذاتية القيادة التي تستشرف أفاق المستقبل بتطورات تمس حياتنا في كل أبعادها، وستقودنا إلى تغيرات هائلة على جميع المستويات.
* مدير إدارة المواصفات والمقاييس بوزارة الصناعة والتجارة والسياحة بمملكة البحرين