نشهد في هذا العصر تنامي ظاهرة البيع الإلكتروني، بل نعيشها ونشهد تقدمها وتطورها ومن المتوقع وفق أقل تقديرات أن تصل نسبة المبيعات الإلكترونية إلى 25% في عام 2025م وذلك للمنتجات غير الغذائية، وإلى حين ذلك يجب علينا ألا نغفل كمشرعين في قطاع التقييس عن هذا التغيير الحاصل والواقع لا محالة!
وفي الحقيقة تشكل الآن عمليات البيع الإلكتروني تحدٍ كبير للعاملين في قطاعات التقييس ما لم يتم تأطير هذه العمليات بلوائح ومتطلبات وطنية وإقليمية في ظاهرها ودولية وعالمية في تطبيقها، فنحن لا نعيش بمنأى عن دول العالم وعن الصرعات في مجال البيع الإلكتروني فمزودي خدمات البيع الإلكتروني (منصات البيع الإلكتروني) قد يخترقون الآفاق والحدود في عملية بيع تقليدية كانت مقصورة على أوقات وساعات عمل محدودة لتكون متاحة طوال أوقات اليوم (24 ساعة) وعلى مدى أيام الأسبوع (7 أيام) من أي موقع أو نقطة جغرافية مما يجعل من تجربة الشراء سهلة وميسرة للمستهلك الذي يريدها في أي وقت ومن أي نقطة جغرافية. وبعبارة أخرى (شراء من غير حدود جغرافية).
ولا يمكننا أيضاً كمشرعين التعويل فقط على المسؤوليات البيئية والاجتماعية ومسؤوليات الحوكمة (ESG) لمزودي خدمات البيع الإلكتروني (منصات البيع الإلكترونية) فقد حان الوقت لتحديث وتطوير المنظومة التشريعية بشكل لا يحتمل التأخير لتحديد مسؤوليات الجهات (المنصات) التي توفر خدمات البيع الإلكتروني وعكس كافة المتطلبات التقليدية لتكون مرنة أكثر مع أنماط وأشكال عمليات البيع الإلكترونية.
وعلى المستوى التشريعي في أنشطة إعداد وتحديث اللوائح الفنية القطاعية وفق المنهجيات الحديثة في التشريع لا بد من تحديد مسؤوليات مزودي الخدمة الإلكترونية (منصات البيع الإلكترونية) على غرار مسؤوليات خط سلاسل الإمداد من صانع أو موزع أو ممثل صانع رسمي أو مستورد المتوافرة في أغلب اللوائح الفنية الكلاسيكية.
ففي باب المعلومات والبيانات الإيضاحية الخاصة بالمنتجات توجد فرص تشريعية كبيرة كالإلزام بعرض البيانات الإيضاحية والتحذيرات والملصقات الخاصة بالمنتج كملصقات كفاءة الطاقة في صفحة المنتج الإلكترونية أو في صفحة بيانات المنتج داخل منصات البيع الإلكتروني لتحقيق أقصى درجات الشفافية والعدالة بين طرق البيع التقليدية وطرق البيع الإلكترونية وضمان استيفاء المتطلبات التشريعية في هذا الجانب.
وكما يستفيد المستهلك من حجم البيانات الضخمة المتوافرة في منصات البيع الإلكترونية يمكن لسلطات مسح الأسواق الاستفادة من هذه البيانات لدراسة مؤشرات مطابقة المنتجات عن طريق قياس استيفاء المنتجات المعروضة في المنصات الإلكترونية للمتطلبات التشريعية التي يمكن قياسها بشكل إلكتروني كأن يكون رقم الطراز والعلامة التجارية حاملة لشهادة أو تسجيل معين.
ومن أكثر الجوانب التي يمكن تطويرها وإحكامها هي استدعاء المنتجات وضبط السوق عبر منصات البيع الإلكترونية فنمط البيع الحالي يوفر شكل من أشكال التعقب والتتبع لا يمكن مقارنته بعمليات البيع التقليدية التي يصعب فيها الوصول إلى المشتري النهائي للمنتج أو الخدمة، ففي نمط الشراء الإلكتروني غالباً ما تكون بيانات الزبائن موجودة لدى مزودي الخدمة كاسم المشتري وبيانات التواصل وبيانات العنوان البريدي وفي حال وجود أي استدعاء لمنتج فقنوات وأدوات وبيانات التواصل مع المستهلكين موجودة ومؤتمتة، بل توفر المنصات المتقدمة إمكانيات هائلة لتتبع المنتجات التي يتم بيعها وفق سلسلة بين البائع والمشتري، مما يسهل على سلطات مسح السوق من تنفيذ مهامها في تتبع استدعاء المنتجات المخالفة.
وكذلك توجد فرص تشريعية في جوانب ظروف تخزين ونقل المنتجات فعلى سبيل المثال يمكن لسلطات الرقابة الدوائية والغذائية تحديد مسؤوليات مزودي خدمة البيع الإلكتروني فيما يتعلق بالتحقق والتأكد من تطبيق شروط نقل المنتجات كأن لا تتجاوز درجات حرارة معينة أو لا تتعرض بشكل مباشر لأشعة الشمس من خلال إلزام جهات النقل والشحن بهذه المتطلبات والتأكد من تطبيقها بشكل آلي.
ولا أغفل في مقالي هذا الجوانب الخاصة بتعامل أصحاب المنصات الإلكترونية مع خصوصية بيانات المستهلكين فتأطير إمكانيات استخدامها وحمايتها بالتشريعات أصبح ضرورة.
ومقتضب كلامي في هذا المقال أن هذا التحدي القادم هو فرصة تشريعية كبيرة لجميع سلطات وأجهزة التقييس تساهم فيه بتوفير بيانات ومعلومات إيضاحية شفافة خاصة بالمنتجات المتوافرة للبيع وكذلك تضمن تطبيق فعال لمسوحات الأسواق وتساهم في إحكام استدعاء المنتجات وتحقق ظروف نقل آمنة للمنتجات.