المترولوجيا في العصر الرقمي

تماضر صالح سعيد

تمتلك التطورات الرقمية القدرة على تحقيق فوائد كبيرة للمجتمع، من خلال ابتكار العمليات والمنتجات الأساسية، ويفرض التطور السريع للاقتصاد الرقمي العالمي حاجة وتحديات ملحة للمترولوجيا من أجل التحول الرقمي.

وقد أصبحت الأعمال والمجتمعات تعتمد بشكل متزايد على التمكين الرقمي وبالتالي من الأهمية بمكان وجود بنية تحتية موثوقة للجودة لدعم الرقمنة وتوليد بيانات قوية ودقيقة وموثوقة [1].

يتطلب التطور السريع للتصنيع الرقمي، مثل الصناعة 4.0، والذكاء الاصطناعي طرقًا وبروتوكولات قابلة للقراءة آليًا، بالإضافة إلى نقل شهادات المعايرة الرقمية. وهناك حاجة إلى بنية تحتية قياسية ومقبولة دوليًا لإصدار البيانات وشهادات المعايرة الرقمية والانطولوجيا (ontologies) المقبولة للطرق التي يمكن قراءتها آليًا، بحيث تكون جزءًا لا يتجزأ من المعايير الدولية ويتم إنشاؤها من خلال تعاون متعدد التخصصات وعبر القطاعات [1].

أحد الأركان الأساسية للتحول الرقمي هو التبادل المفتوح والشفاف للمعلومات. البيانات التي تلبي هذه المتطلبات هي ما يُعرف الآن باسم “FAIR” أي يجب أن تكون قابلة للبحث، ويمكن الوصول إليها، وقابلة للتشغيل المتبادل، وقابلة لإعادة الاستخدام، عند استيفاء هذه المتطلبات، يمكن التعرف على البيانات باعتبارها جديرة بالثقة ويمكن أن تدعم ممارسات البيانات المفتوحة.

لسنوات عديدة، كان هناك اتجاه لرقمنة وتحويل العمليات الداخلية وتقديم الخدمات في كل من عالم الأعمال والإدارات العامة. الآن هناك اهتمام كبير بمثل هذه الأنشطة حيث يُعد تبادل المعلومات والبيانات بحد ذاتها أساس العمليات الصناعية المؤتمتة للغاية والعلوم وكذلك التطبيقات الناشئة في الذكاء الاصطناعي وخوارزميات التعلم الآلي. يتم التعبير عن بيانات نتائج القياسات من حيث القيمة العددية والوحدة تحت رعاية اتفاقية المتر.

لقد تبنى العالم النظام الدولي للوحدات (SI) كنظام قياس مشترك تحت إشراف المكتب الدولي للأوزان والمقاييس (BIPM)، وهذا النظام ضروري للمجتمع لأنه يسهل التواصل الموثوق والفعال حول الكميات الفيزيائية في العلوم والهندسة والرعاية الصحية والتجارة وبدعم من ترتيب الاعتراف الدولي المتبادل بين الدول. يتم تحقيق وحدات SI من قبل معاهد القياس الوطنية (NMIs) ونشرها من خلال الشبكات الوطنية والدولية المعروفة باسم البنية التحتية للجودة والذي تمت مراجعته بشكل كبير في عام 2018م بقرار من المؤتمر العام للأوزان والمقاييس وهو التنظيم العام الذي أنشأته اتفاقية المتر، ويعتمد النظام الدولي المنقح على تحديد الثوابت، من بينها الثوابت الأساسية في الطبيعة.

أخذت اللجنة الدولية للأوزان والمقاييس (CIPM) التي توجه جميع الأعمال المترولوجية التي تقرر الأطراف في اتفاقية المتر القيام بها بشكل مشترك زمام المبادرة لتحويل SI إلى العالم الرقمي، حيث أقرت في اجتماعها الـ 108 في أكتوبر 2019 الحاجة إلى تعزيز دعم   SIفي عالم رقمي  “Digital SI” وتقديم الدعم للتمثيلات الرقمية للنظام الدولي للوحدات (SI) والمفاهيم المترولوجية ذات الصلة، مثل إمكانية التتبع واللايقين (الارتياب) في القياس وأن هناك حاجة ماسة للتمثيلات الرقمية للكميات المادية وبيانات القياس لدعم التحول الرقمي للبنى التحتية للجودة الوطنية والدولية، ومن أجل استمرار SI في خدمة المجتمع في عالم رقمي متزايد، بدأت (CIPM) إجراءات دعم التحول الرقمي لتطوير إطار عمل SI الرقمي. يعتمد هذا الإطار على التمثيل الأساسي لـ SI بما في ذلك التنسيقات المتفق عليها لعناصر البيانات الأساسية والقيم والوحدات واللايقين (الارتياب) وسيمكّن ذلك المعاهد الوطنية للمترولوجيا والمكتب الدولي للأوزان والمقاييس BIPM والمنظمات ذات الصلة من تنفيذ خدمات جديدة تساعد في إتاحة البيانات للتحليل وتحسين جودتها.

أنشأ كل من   BIPMوCIPM مجموعة مهام ومجموعة خبراء بخصوص النظام الرقمي الدولي تتمثل الرؤية المشتركة للمجموعات في تطوير وإنشاء إطار عمل دولي معتمد على مستوى العالم، وموحد، ولا لبس فيه، وموثوق وآمن لتبادل البيانات.

في فبراير 2021م، نظمت مجموعة العمل ورشة عمل افتراضية بعنوان “النظام الدولي للوحدات (SI) في بيانات FAIR الرقمية” والتي جمعت بين كبار الخبراء والمجموعات في مجال الرقمنة المتعلقة بالقياس وعلوم البيانات لتبادل الأفكار حول إطار عمل SI الرقمي.

وفي عام 2020م أنشأت المنظمة الدولية للمترولوجيا القانونية ((OIML و(BIPM) مجموعة مهام جديدة مع خطة عمل لتعزيز التحول الرقمي للقياس[2].

يجب صياغة معلومات القياس الرقمية الأساسية والموحدة عالميًا والمعترف بها دوليًا، بما يتوافق مع المبادئ التوجيهية”FAIR” .. هذا هو الأساس المشترك للتبادلات التقنية والاعتراف الدولي المتبادل بـالمعاهد الوطنية للمترولوجيا NMIs في العالم الرقمي.

ويعتبر النظام الدولي للوحدات الرقمي Digital-SI نموذج بيانات وصفية للتعبير الرقمي لوحدات القياس، وهو الجزء الأساسي، واستنادًا إليه يمكن تعريف قاموس المرادفات والمصطلحات في المعجم الدولي للمترولوجيا VIMوGUM رقميًا وتفسيره وتوضيحه، مما يؤدي إلى تكوين معجم مصطلحات ودليل رقمي VIM)،(Digital-GUM، وهما مناسبان للتعبير عن المعلومات المترولوجية وتفسيرها في النظام الرقمي العالمي للوحدات، واستنادًا إلى Digital-SI و Digital-VIM و Digital-GUM و KCDB الرقمي وقدرات القياس والمعايرة المعترف بها دولياً Calibration and Measurement Capabilities) CMCs) سيتم إنشاء تحويل الوحدات وواجهة التطبيق الرقمي لقاعدة منصة بيانات القياس [2].

الإطار الرقمي للمعلومات المترولوجية Digital framework for metrological information

يعد الإطار الرقمي للمعلومات المترولوجية  DMIالموثوق به والفريد والآمن والذي يمكن تقييمه بشكل موضوعي والاعتراف به دوليًا تحديًا أساسيًا للرقمنة. ويجب مواءمة DMI الخاصة بـالمعاهد الوطنية للمترولوجيا NMIs دوليًا ومعالجة الاحتياجات المحلية [2].

الشكل 1. رسم تخطيطي للإطار الرقمي للمعلومات المترولوجية، يشير المستطيل الأخضر المستدير إلى التنسيق الرقمي للمعلومات المترولوجية ونموذج البيانات الوصفية الخاص بها، ويمثل المستطيل الأزرق البرنامج الداعم، والمكعبات ذات اللون البرتقالي الفاتح هي بنية تحتية رقمية، كما إن جميع الأشكال ذات الخطوط البيضاء والتعبئة الخضراء تتوافق مع مبادئ توجيه FAIR.

وكما هو موضح في المستطيلات الخضراء الدائرية في الشكل 1، يتم تقسيم الإطار الرقمي للمعلومات المترولوجية  DMIإلى طبقات متعددة ومستويات متعددة، وهناك علاقة يمكن تتبعها بين المستويات.

مكتبات البرامج الداعمة هي أدوات لضمان التحويل الفعال والدقيق والتحقق من نماذج البيانات الوصفية للمعلومات المترولوجية. السلسلة التي يمكن تتبعها لنموذج البيانات الوصفية للمعلومات المترولوجية هي النواة والمفتاح للتأكد من أن الآلات يمكنها قراءة وفهم المعلومات المترولوجية، وهي النظير لسلسلة التتبع المترولوجي في العالم الرقمي، والتي تتطلب الامتثال لكل من المواصفات المترولوجية والمواصفات الفنية لتكنولوجيا المعلومات.

كما إن البنية التحتية الرقمية هي الأساس للتشغيل الآمن والمستقر والفعال لسلسلة يمكن تتبعها لنماذج البيانات الوصفية للمعلومات المترولوجية ومكتبات البرامج الداعمة لضمان الامتثال للمواصفات الفنية لتكنولوجيا المعلومات ومواصفات أمن المعلومات [2].

“يجب صياغة معلومات القياس الرقمية الأساسية والموحدة عالميًا والمعترف بها دوليًا من قبلCIPM وBIPM، بما يتوافق مع المبادئ التوجيهية FAIR”.. هذا هو الأساس المشترك للتبادلات التقنية والاعتراف الدولي المتبادل بـ NMIs في العالم الرقمي.

ستكون نتيجة SI Digital Framework تطبيقات رقمية جديدة تم تطويرها ونشرها في مجتمع المقاييس الأوسع وفي التخصصات البحثية التي تعتمد على SI[3].

وتهدف الرقمنة إلى توفير اتصال لا لبس فيه حول الكميات بين الآلات المستقلة، ستعالج عملية التحول مسائل التمثيل؛ لكنها لن تؤثر على الإدراك المادي ونشر وحدات القياس. يُطلق على المستند الذي يصف SI اسم “كتيبSI ” [4] الآن في نسخته التاسعة، يحتوي على قواعد لوحدات الكتابة وهذه القواعد مخصصة للأشخاص وليس للآلات، وهناك بعض الصعوبات المرتبطة برقمنتها.

يُعد تطبيق أطر القياس الرقمية على الصناعة والمستهلكين جزءًا لا يتجزأ من التحول الرقمي الشامل والموثوق، ودمج المبادئ والممارسات الرقمية في المعايير الوثائقية واللوائح أحد المجالات التي يدرسهاOIML  وتعد شهادة المطابقة الرقمية التي تلتزم بمبادئ FAIR جزءًا من هذه السردية، ويمكن أن يحقق التحول الرقمي للقياس العديد من الفوائد لمجتمعنا على سبيل المثال، يمكنه تسريع وقت وصول منتجات وخدمات القياس إلى السوق وتقليل التأخيرات المرتبطة بعمليات الموافقة وهذا بدوره يساهم في الابتكار وخفة حركة المنتج والاستدامة [3].

أنشأ برنامج آسيا والمحيط الهادئ للقياس مجموعة تركيز خاصة للتعامل مع الاتجاهات الناشئة للرقمنة والتحول الرقمي في علم القياس في نهاية عام 2021. ويعمل الفريق كمنتدى إقليمي لتنسيق الأنشطة والتعاون وهي مكلفة فيما يتعلق بالحصول على أحدث المعلومات حول الاتجاهات الدولية، وتحديد التحديات المشتركة وتحديد أولويات المهام؛ وأيضاً تطوير برنامج عمل لمعالجة الوعي ونقل المعرفة  الاتصال مع أصحاب المصلحة [5].

تم إجراء مسح برنامج آسيا والمحيط الهادئ للمترولوجياAPMP  The Asia Pacific Metrology Program لأعضائها في بداية عام 2021م، وكان الهدف منه تحديد النشاط المتعلق بالرقمنة. وقد وردت ردود من 13 اقتصاد عضو وعضوين منتسبين ذكرت نسبة عالية (حوالي 87٪) لديهم بعض النشاط ومع ذلك، كان العديد منهم في مراحل مبكرة جدًا من التحول الرقمي، مثل التخطيط وتطبيق التكنولوجيا الرقمية على عمليات القياس الحالية.

وارتبط المحرك الأكثر أهمية للرقمنة بقطاعات التصنيع والنقل والطاقة المتقدمة (حوالي 41 ٪)، مع أهم العوامل أن يكون المشغّل لذلك هيئات ومنظمات البنية التحتية للجودة (حوالي 31٪) مع ذلك، فقط حوالي 40٪ أشاروا إلى شكل من أشكال الطلب المباشر من العملاء، وكان هذا عادةً ما يكون طلبًا لبيانات رقمية بدلاً من تقرير ورقي. وأبدت العديد من  المعاهد الوطنية للمترولوجيا NMIs نية للتشاور والمشاركة مع أصحاب المصلحة ولكن لم تبدأ بعد [5].

ومع أن التحول الرقمي أصبح من الضروريات بالنسبة لكافة المنشآت والمؤسسات الوطنية التي تسعى إلى التطوير وتحسين الخدمات، حيث يوفر التحول الرقمي فرصاً ضخمة من تحقيق أهداف المؤسسات والمنشآت بأقل الإمكانيات ويحقق جودة الخدمات ومرونة أكبر وتبسيط إجراءات ورضا المستفيدين [6]. إلا أن هناك تحديات كثيرة تواجه التحول الرقمي المترولوجي، منها نقص الميزانيات المرصودة للتحول الرقمي في منظومات القياس والمعايرة، والتخوف من مخاطر أمن المعلومات والأمن السيبراني واستدامة الاعمال.

المراجع:

References
[1] S. Bhandari and D. Croucher, “Reproducibility in research the role of measurement science workshop Recommendations for the infrastructure underpinning digital transformation,” no. April, p. 15, 2020.
[2] X. C. Xiong, Y. Zhu, J. Li, Y. Duan, and X. Fang, “A digital framework for metrological information,” Meas. Sensors, vol. 18, pp. 2–5, 2021, doi: 10.1016/j.measen.2021.100122.
[3] M. Milton, “Message from the BIPM and BIML Directors World Metrology Day 20 May 2022 Metrology in the Digital Era,” no. May, 2022.
[4] BIPM, “SI-Brochure-9-EN,” 2019, [Online]. Available: https://www.bipm.org/documents/20126/41483022/SI-Brochure-9-EN.pdf.
[5] B. D. Hall, S. Cui, K. Yamazawa, and N. M. Centre, “The APMP-DXFG: a focus group on digital transformation in metrology.”
[6] م.طلعت الرحالي, “ندوة التحول الرقمي المترولوجي,” 2022.

 

Comments (0)
Add Comment