التقييس.. وما بعد جائحة كورونا

م. خلف خلف *

ما يمر به العالم اليوم من تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد أو ما يعرف بـ  COVID-19 وما تلاها من أزمات اقتصادية شلت العالم من أدناه إلى أقصاه، حيث خلفت جائحة كورونا ما يزيد عن 6 مليون ونصف المليون مصاب وما يقارب عن 400 ألف وفاة حتى تاريخه بحسب الأرقام الرسمية المعلنة.

ولو قمنا بإجراء مقارنة بسيطة بآخر أزمة صحية أو بوباء شبيه أومماثل تعرض له العالم وخلف ما خلف من ركود اقتصادي وشلل لقطاعات سياسية وصناعية وتعليمية وتجارية، لرجعنا بالذاكرة إلى بدايات القرن الماضي وتحديداً بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في عام 1918م، حين تفشى وباء الانفلونزا الاسبانية الناجمة عن أحد فيروسات N1H1 وكانت الوباء الأكثر فتكاً في تاريخ البشرية، حيث خلف الوباء الذي استمر عاماً ونيف حوالي 500 مليون وفاة، أي ما يعادل ثلث سكان الكوكب في ذلك الوقت.

لم تُلقِ أزمة صحية بظلالها كما هو الحال في جائحة كورونا، فقد عانى الاقتصاد أشد معاناة تحت وطأة الجائحة والذي انعكس بدوره على جميع مناحي الحياة.

لقد نجحت هذه الجائحة في أن تفرض تغييراً في سلوكيات وأنماط المجتمعات، فأصبح العمل عن بعد هو ديدن قطاع الأعمال؛ حكومي كان أم خاص، والتعليم أيضاً عن بعد عبر قنوات الكترونية وذكية، وأصبح التسوق الإلكتروني هو السائد، ونمت قطاعات لم يكن لأحد أن يتوقع لها في يوم ما هذا النمو وفي فترة وجيزة، وتوقفت رحلات السفر وأقفلت المطارات في 90% من دول العالم، وكذلك الحال بالنسبة لوسائل المواصلات العامة، وغيرها الكثير.

والسؤال هو أين نحن في هيئات وجهات التقييس من هذه التحولات؟

هل مازلنا نواكب تلك التطورات؟ أم نحتاج لوقفة تقييم ومراجعة؟

هل استراتيجياتنا ما زالت فعالة؟ هل عملنا كأجهزة تقييس وطنية سيكون مختلف في الفترة القادمة؟ وهل اللجان الفنية ستؤدي عملها بنفس المنهج والرتم التي كانت عليه قبل الجائحة؟

وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإن منظمات التقييس الدولية ليست بأفضل حالاً وهي التي كانت على وشك إطلاق استراتيجياتها للعشر سنوات القادمة 2020-2030 والمبنية على الموائمة مع أهداف التنمية المستدامة 2030.

ستعاني المنظمات الدولية الكثير في سبيل المضي قدماً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة كنتيجة لآثار الأزمة الاقتصادية التي خلفتها الجائحة، فمع سريان التباعد الاجتماعي والجسدي وتعطل الأعمال وإغلاق المصانع وانخفاض الطلب على السفر والسياحة فقد أدى ذلك فقدان الكثير من الوظائف في كثير من القطاعات، وهو ما سيمثل تحدياً حقيقياً لتحقيق الحكومات والمنظمات الدولية والمؤسسات غير الحكومية خططها لدعم الأمم المتحدة للوصول للأهداف الموضوعة نهاية عام 2030.

وكنتيجة مباشرة فإن 6 من أصل 17 هدف تأثرت بشكل مباشر (35% من إجمالى أهداف التنمية المستدامة) وخصوصاً الأهداف التالية (القضاء على الفقر، القضاء التام على الجوع، الصحة الجيدة والرفاه، التعليم الجيد، العمل اللائق ونموالاقتصاد، الصناعة والابتكاروالهياكل الأساسية).

لقد برهنت الجائحة مقولة أن “العالم قرية صغيرة”، من حيث أهمية تحقيق الأمن الغذائي ودور سلاسل الإمداد في تحقيق الأمن الغذائي للمجتمعات. فإغلاق المطارات والموانئ والحدود بين الدول، أماط اللثام عن حقائق لم تكن جلية أو على الأقل منسية، لا سيما وأن الاستراتيجيات للدول ليست محك اختبار إلا وقت الأزمات والطوارئ، وقطاع الرعاية الصحية كان ولا زال شاهدا على ذلك.

هل مرحلة ما بعد كوفيد-19، ستكون مثل ما كانت قبل الجائحة، وهل النظام العالمي الجديد سيكون بنفس معالم نظامنا الحالي؟

هل ستبقى أولوياتنا على ما كانت عليه؟

أعتقد أننا بحاجة ماسة إلى جلسة مصارحة هادئة نفكر فيها بإمعان وعمق نحو معالم وملامح المرحلة المقبلة، ألا وهي مرحلة النهوض والتعافي من تبعات كورونا وتداعياته.

إننا كقطاع مسئول عن  تطوير البنية التحتية لتشريعات الجودة للمنتجات والخدمات، بلا شك معني بمراجعة أسلوب عملنا والنظر في ما إذا كانت الحاجة ما تزال مستمرة لإعداد وتطوير المواصفات القياسية في ظل أن أنظمة تقييم المطابقة قد تخرج عن إطارها التقليدي المتعارف عليه اليوم فيما يختص بمطابقة المنتج، سعياً نحو مفهوم جديد مرجعيته مطابقة التصميم للمنتج وليس المنتج بحد ذاته، في ظل التغيرات الاقتصادية المتوقعة والحاجة إلى اقتصاد عالمي يعتمد على حرية أكثر في تنقل السلع وتبادل البضائع والمنتجات بين الدول المنتجة والمستهلكة، حتماً هناك صناعات ستختفي، ووظائف ستختفي أيضاً، وشركات يجب أن تغير من نهج عملها “Business Model” لتواكب المتغيرات، وستخلق بالمقابل فرص جديدة، تولد عنها وظائف جديدة وستنفذ الأعمال من قبل الشركات بشكل مختلف.

فهل يا ترى أن منظمات التقييس الدولية وهيئات التقييس الوطنية في دولنا على درجة كافية من الجاهزية والقدرة على مواكبة ما بعد مرحلةCOVID-19؟

هل بدأت رحلة التصحيح؟ وهل ستكون الثورة الصناعية الرابعة ومكوناتها هي القشة والمخرج؟

وهل الذكاء الإصطناعي هو طوق النجاة في المستقبل القريب؟

تلك أمور ستكشف عنها الأيام القادمة، وإن غداً لناظره قريب.

*مدير إدارة المواصفات – هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس

خلف خلف
Comments (1)
Add Comment
  • فاطمة الشحي

    التعليق
    اتوقع سيبدأ صراع بين طبقات المجتمع نتيجة لخلق وظائف أغلب مجتمع العالم لا يتقنها لعوامل اخرى غير ظروف الجائحة وجاءت هذه الظروف لتكمل من حدة الصراع القائم بالاصل
    بالنسبة للمنظمات الدولية من وجهة نظري لايمكن ان تكون افتراضية المكان والزمان ، وحتى على مستوى الاشخاص الاعتبارية العامة في المجتمع الدولي ، ليس ما بعد الجائحة هو فقط التقليل من الموارد البشرية والمالية واستغلال الوقت والفرص بشكل افضل مما عليه الان ، هذا لايطابق نهائيا ارض الواقع ، نرى انتعاش الاقتصاد والسياحة والتعليم لبعض التخصصات ، وغير من المجالات ، هي تساهم بشكل رئيسي لانتعاش الاقتصاد والسياحة ، لنفرض انا طالب جامعي لتخصص نادر لبلد ما ، لمجرد السفر انعشت السياحة ولمجرد العيش بتلك البلاد احتجت المسكن والاحتياجات الاخرى ، فلا اتصور ان يكون العالم الافتراضي بديل كليا وحلا لكل ازمات المجتمع الحاليه فالعلاقات مازالت تعيش بتبادل المنفعه قد تختلف الوسيلة للوصول بها ولكن لابد من شيء علىشيء لانعاش ماهو الاهم