التقييس في التعليم

د. أحمد بابدر

يقصد بالتقييس في التعليم نشر الوعي بين أفراد المجتمع سواءً كانوا أفراداً أو مؤسسات تعليمية.

وتستفيد التجارة والصناعة من التقييس في التعليم، ويتمثل ذلك في تعزيز الاقتصاد ومعرفة التعامل مع الأسواق الخاسرة، وتعزيز التجارة وتقليل الهدر وتوفير منتجات منافسة في السوق، وبناء مستهلك فطن، والتفاعل مع أنشطة التقييس العالمية ونشر مفاهيم التقييس في المجتمع. وأيضاً يمكن أن يستفيد منها الجيل الجديد بحيث إنها فرصة لأخذ الخبرات من الخبراء والمختصين في مجالات عديدة. وأيضاً يمكن أن تستفيد منها السلطات الحكومية بحيث تضمن ممارسات وتشريعات تنظيمية جيدة وتطبيق مؤثر، وهناك كتاب مفيد تعرض فيه نتائج أكثر من 30 دراسة أثبتت أهمية المواصفات للمؤسسات مثل:  (Economic Benefits of Standards)

الفئة المستهدفة للتقييس في التعليم هي فئة الطلاب والمدرسين وأعضاء هيئة التدريس ومدراءهم بحيث تسعى إلى رفع كفاءة المؤسسات التعليمية من خلال خريجين متميزين بمعدل وظيفي عالي، وأيضاً جودة في الأبحاث. ومن أهم المهارات التي يجنيها الطالب في المؤسسات التعليمية من معرفته بالمواصفات هي عمق المعرفة والمهارات والخبرات المتعددة، في أكثر من مجال وأيضاً تُعَرف الطالب بأهمية المواصفات في السوق والمجتمع وكيف أنها قادرة على تطوير أداء الشركات والمصلحة العامة.

ويجب أن يركز التقييس في التعليم على ثلاث ركائز وهي:

  • تعزيز فائدة المواصفات القياسية للاقتصاد.
  • تطوير المهارات.
  • فهم العلاقة بين المواصفات والسياسة العامة.

لا يوجد إطار واحد يمكن أن يطبق لتعزيز التقييس في التعليم في جميع المؤسسات التعلمية، ولكن توجد طرق عديدة تتناسب مع الظروف المحيطة بها مثل تضمين المواصفات في المناهج التعليمية أو المواد الجامعية مثل إضافة منهج أو مادة تهتم بالمواصفات في أكثر من مجال مثل في العلوم والهندسة، في التصميم والعمارة، في الصناعة والتجارة، في الإدارة والقانون. وأيضاً يمكن إضافة عمل مشاريع أو أبحاث تهتم بالتقييس، أو عمل برامج تدريبية خاصة عن التقييس، أو تصميم برامج بكالوريوس أو ماجستير تهتم بالتقييس.

ومن الأمثلة على برامج البكالوريوس والماجستير، هناك جامعات عالمية تقدم هذا التخصص الفريد مثل جامعة جنيف حيث توفر لطلابها برنامج ماجستير يهتم بالمواصفات وتطوير المواصفات وكذلك جامعة هونكونج توفر بكالوريوس خاص بالمواصفات. وأيضاً يمكن ربط التقييس في البرامج الجامعية التدريبية.

منظمات التقييس الدولية والتعليم

هناك مؤسسات كثيرة تهتم بتعزيز التقييس في التعليم، كما تم عقد العديد من الفعاليات ذات العلاقة بالتقييس في التعليم منها المنتدى الخليجي الأول للتقييس في التعليم الذي استضافته دولة قطر خلال الفترة 8-9 ديسمبر 2015م، بتنظيم من هيئة التقييس لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبمشاركة عدد من الخبراء والمختصين في مجالات التعليم والتقييس بدول مجلس التعاون والدول العربية والأوروبية والآسيوية والولايات المتحدة الأمريكية.

كما أن هناك منظمات دولية تهتم في التقييس في التعليم والهدف الرئيسي منها هو ترويج التقييس في التعليم وتطوير جودته وحث وجذب الكثير من أصحاب المصلحة والفائدة.

والسؤال المهم هنا: لماذا نحتاج مثل هذه التعاون الدولي في موضوع التقييس في التعليم؟

والجواب على هذا السؤال هو أن كثيراً من الدول تعي وتفهم أهمية المواصفات في تطوير الاقتصاد والتجارة، ولكن لا يوجد إدراك بأهمية التقييس في التعليم لذلك أتى الاهتمام الدولي على أهمية مشاركة هذا الهم والسعي بالحلول لكي يتم تعزيز التقييس في التعليم.

ومن الفوائد من هذا التعاون الدولي هو تبادل الخبرات بين الدول من حيث النماذج المستخدمه والقوانين المطبقة ونوع النشاط الذي يقدم، ويقوم هذا التعاون الدولي بعقد اجتماعات سنوية لهذا الغرض.

وأيضا هناك منظمة أخرى هي المعهد الوطني الأمريكي للمواصفات والتكنولوجيا (NIST) الذي يهتم أيضاً بتعزيز التقييس في التعليم والتجارة والصناعة والقطاعات الحكومية. ففي مجال التعليم يهدف إلى دعم وتطوير مناهج التعليم لتعزيز مفهوم التقييس فيه في مجالات عدة منها العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والقانون والإدارة، مما أدى إلى زيادة عدد المؤسسات التعليمية التي تهتم بالمواصفات في مناهجها وأيضا زيادة الوعي على أهمية التقييس في التعليم.

كما أن الجمعية الأمريكية للمواد والفحص (ASTM International Standards ) لها دور فعال في التقييس في التعليم، حيث أنشأت عضوية مجانية للطلاب في المنظمة بحيث يستطيع الطالب أن يعزز ثقافته عن طريق عضويته في الجمعية من حيث معرفته بالقواعد الأساسية لتطبيق النظريات وأيضاً معرفته بالمواصفات.

واستخدمت هذه الجمعية العديد من الأساليب لتعزيز التقييس في التعليم وهي عن طريق مقاطع الفيديو التي تنشر، بالإضافة إلى العروض المرئية للطلاب، وعمل حملات تثقيفية بالمواصفات، وإقامة فعاليات لطلاب المدارس والجامعيين، وعمل مسابقات وهدايا. وبهذه الطرق تستطيع الجمعية وأساتذة الجامعات من نشر التقييس في التعليم، وهناك العديد من الجامعات الدولية استعانت بها لتسهيل الوصول إلى تعزيز التقييس في التعليم لدى الطلاب.

التجارب الدولية في تعزيز التقييس في التعليم 

هناك تجارب عديدة في تعزيز التقييس في التعليم ومنها سنغافورا حيث وضعت هيئة التقييس السنغافورية هدف وتسعى للوصول إليه وهو “أمة ذات جودة”.

بدأت هيئة التقييس السنغافورية بتحديد الفئات العمرية، وتحديد ماهي السبل المثلى في تعزيز التقييس لديهم. في المراحل العمرية المبكرة (الابتدائي والثانوي)، تم تنفيذ عدة نشاطات، منها عمل مسابقات تثقفية عن المواصفات، وعمل رحلات تعليمية، وأيضا محاضرات جماعية، كما قاموا أيضاً بعمليات تسويقية عن طريق الرسوم المتحركة للأطفال.

أما بالنسبة لطلاب الجامعات، فقد قامت هيئة التقييس السنغافورية بالتعاون مع الجامعات بمبادرات عديدة ومشاريع للطلاب باستخدام المواصفات، وسهلت لهم الوصول إلى الدراسات والمحاضرات التي تدعم المواصفات، وأيضا قاموا بعمل مسابقة رسوم بطابع مسلي ومرح لدعم التقييس لدى الأطفال. وقامت وزارة التعليم في سنغافورا بالتعاون مع هيئة التقييس السنغافورية بتطوير المناهج التعليمية أيضاً، وهي الآن في مراحلها الأولى حيث طورت حتى الآن مناهج تخصص علوم الحاسبات.

ومن دعم هيئة التقييس السنغافورية للتقييس في الصناعة، اعتماد وضع علامة الجودة لكل منتج مطابق للمواصفة الخاصة بالمنتج لتعزيز فكر التقييس لدى المستهلكين، كما قامت هيئة التقييس السنغافورية بالعديد من النشاطات الإعلامية لنشر أهمية التقييس عن طريق الصحف الورقية والإلكترونية، وكذلك في جميع مواقع التواصل الاجتماعي. وقامت أيضاً بطباعة كتاب ومنشورات عن نظم إدارة الجودة وأهميتها للمنظمات والمؤسسات، وقامت كذلك بعمل الكثير من المؤتمرات والمنتديات العلمية والتي من أهدافها تعزيز التقييس في الصناعة والتجارة.

التجربة الأخرى هي تجربة تركيا، فقد عملت الحكومة التركية ممثلة بوزارة التعليم التركية ووزارة التعليم العالي على وضع برنامج تدريبي يعزز أهمية التقييس في التعليم وضمان تطبيقها في المناهج التعليمية، وأيضا تم إدراج مادة اختيارية في الجامعات عن التقييس، وكذلك يتم إصدار مجلة شهرية عن التقييس للبالغين والأطفال، وقيام بعض الفعاليات الخاصة للأطفال التي تهتم بالتقييس، كما أن هناك بعض الملصقات والمقالات التي نشرت في الصحف الورقية والإلكترونية وفي الطرقات، والتي تعزز مفهوم التقييس.

وقامت هيئة التقييس التركية بتوفير موقع إلكتروني Akademi e-Learning هدفه تزويد جميع الفئات العمرية من الناس ببرامج تدريبية مجانية عن طريق الانترنت لتعزيز مفهوم التقييس، ويمكن التسجيل فيه عن طريق الرابط www.tseakademi.com .

ومن البرامج الأخرى التي قامت به هيئة التقييس التركية برنامج متخصص للجودة وتقييم المطابقة الهندسية، الذي قدمته إحدى الجامعات التركية، ويهدف البرنامج إلى تعزيز المواصفات الهندسية لدى طلاب كلية الهندسة، وهو مخصص لطلاب البكالوريوس، والذي يجتاز هذا البرنامج سوف يحصل على شهادة دبلوم عالي مع شهادة من معهد المواصفات التركي.

التجربة الثالثة هي تجربة إندونيسيا، فقد قامت هيئة التقييس الإندونيسية بعمل برامج عديدة للطلاب في المراحل الأولى من التعليم بالإضافة إلى طلاب المراحل العليا، ومن ثم الطلاب الجامعيين، وبعدها أعضاء هيئة التدريس والمدرسين، وأخيراً عمل برامج على مستوى المناطق.

بالنسبة للطلاب الجامعيين، قامت هيئة التقييس الإندونيسية بالتعاون مع (34) جامعة، وكان الهدف الأسمى هو تدريب وتثقيف الطلاب عن المواصفات في مجالات عديدة، وكذلك تبادل المعلومات وزيادة المعرفة لدى الطلاب، ومن أمثلة التخصصات التي ركزت عليها هي الهندسة والتقنية والمعلومات والتجارة العالمية والإدارة.

وكانت آلية العمل فيها عن طريق تضمين مقررات اختيارية وإجبارية عن التقييس، وكذلك تقديم برامج ماجستير تهتم بالتقييس، وبعض البرامج التدريبة الأخرى للطلاب، كما أقيمت أيضا بعض المنافسات والمسابقات عن التقييس في بعض هذه الجامعات، وتم رصد جوائز لها.

ومن المواضيع الحديثة التي أضيفت أيضاً هي تنظيم مؤتمرات عن بعد باستخدام تقنية ((ISO WebEx، وبعض الكتب الإلكترونية، وبعض البرامج التدريبية عن طريق الإنترنت، وأيضاً وضع زاوية في كل جامعة توضح فيها ما هو التقييس وما أهميته.

أما بالنسبة للمراحل الأولى والمراحل العليا في التعليم العام، قامت هيئة التقييس الإندونيسية برفع الوعي لدى العديد من الطلاب في المدارس، وأقامت فيها العديد من البرامج. وأخيراً قامت هيئة التقييس الإندونيسية بزيادة عدد المشتركين في برامجها التدريبية من أعضاء هيئة التدريس والمدرسين عن طريق تدريبهم بأهمية بالتقييس.

*المدير التنفيذي لجائزة الملك عبدالعزيز للجودة.

Comments (0)
Add Comment