المسؤولية المجتمعية.. مفهومها.. تطبيقها وعلاقتها بالتقييس

طه عبد الله العامري

يُعد مفهوم المسؤولية المجتمعية من المفاهيم الحديثة في عالمنا المعاصر، حيث أصبح يتردد على مسامعنا كثيراً خلال السنوات الأخيرة من قبل المثقفين والسياسيين والمفكرين وناشطي المجتمع المدني، وقد لقيَ هذا المفهوم اهتماماً كبيراً على المستوى الدولي والإقليمي من قبل الجهات المعنية، إلا أن ملامح هذا المفهوم لم يتحدد بصورة واضحة في أذهان الكثير.

وإسهاماً منا في تعزيز وتنمية ذلك المفهوم سنحاول التطرق إلى تعريف المسؤولية المجتمعية ومفهومها وتطبيقها وعلاقتها بالتقييس.

تعريف المسؤولية المجتمعية

وردت تعريفات كثيرة للمسؤولية المجتمعية، لكنها تختلف باختلاف وجهات النظر في تحديد شكل هذه المسؤولية، حيث عرفها معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية بأنها الارتباط بمدى مساهمة أفراد المجتمع واشتراكهم لإشباع احتياجاتهم وحل مشكلاتهم بالاعتماد على أنفسهم.

وعرفها البنك الدولي بأنها التزام أصحاب النشاطات التجارية بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيهم وعائلاتهم ومجتمعهم المحلي لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم التجارة ويخدم التنمية في آن واحد.

أما الغرفة التجارية العالمية فقد عرفتها بأنها جميع المبادرات الحسنة والمساهمات التطوعية التي تقوم بها المؤسسات الاقتصادية لاعتبارات أخلاقية واجتماعية اعتماداً على الاقتناع الذاتي من دون وجود إجراءات قانونية ملزمة.

كذلك عرفها مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة بأنها الالتزام المستمر من قبل منظمات الأعمال بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم.

مفهوم المسؤولية المجتمعية

اكتسب مفهوم المسؤولية المجتمعية بعداً دولياً بعد أن صدر الميثاق العالمي من الأمم المتحدة عام 2000م حيث أصبحت العديد من المؤسسات تعتبر ذلك المفهوم من الضروريات وذلك من خلال إنشاء أقساماً خاصة به، ولم يعد تقييم المؤسسات في القطاع الخاص والعام يعتمد على ربحيتها فحسب بل في قدرتها على الإسهام في عملية تنمية المجتمع، لذلك يرى البعض بأن مفهوم المسؤولية المجتمعية هو منهج أو سلوك (بيئي، اجتماعي، اقتصادي) ينتهجه الفرد أو المنظمة في سبيل القيام بواجباته تجاه نفسه وتجاه مجتمعه، وهذه هي الثلاثة المحاور الرئيسيّة التي يقوم عليها مفهوم المسؤولية المجتمعية، وقد يتعدى مفهوم المسؤولية المجتمعية ذلك ليكون أكثر شمولية وأوسع معنى من حيث تركيزه على السلوك الأخلاقي واحترام القوانين والمساهمة في التنمية المستدامة.

تطبيق المسؤولية المجتمعية

يعتبر تطبيق المسؤولية المجتمعية للشركات والمؤسسات أو الأفراد مهمة كبيرة، ومن أجل ذلك لابد من تضافر وتعاون جميع الجهات في تطبيقها (حكومية، خاصة، مجتمع مدني ووسائل إعلام)، إذ يُعد الدور الحكومي في هذا الجانب ذو أهمية كبيرة باعتبار أن الحكومات هي من تتولى عملية توفير البنية التحتية اللازمة وسن التشريعات والقوانين ذات الصلة وتشجيع الشركات أو الأفراد الذين قاموا بأداء دورهم المجتمعي.

ويأتي بعد ذلك الدور المؤثر للقطاع الخاص من خلال اتخاذ الإجراءات الفعلية عملياً بالمساهمة في محاربة البطالة والقضاء على الفقر.

أما منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام فلها دور مهم وفاعل في تشكيل وتنمية ثقافة المسؤولية المجتمعية عبر نشر التجارب الناجحة في هذا المجال والتركيز على نشر الوعي بأهمية مسؤولية المجتمع والدور الذي يقع على عاتق الشركات والمؤسسات أو الأفراد.

ومن ضمن ما يعزز تطبيق المسؤولية المجتمعية أيضاً أن يكون هناك انسجام مجتمعي يهدف إلى الاستقرار وبناء ثقافة واحدة تساهم في ربط أفراد المجتمع وتوحيدهم في قالب اجتماعي واحد يحقق الانسجام المجتمعي، ويتحقق ذلك الانسجام عبر أربعة مستويات:

أولاً: تكييف الحياة المجتمعية مع البيئة المحيطة وذلك للمساهمة في إيجاد وتكريس ثقافة المسؤولية المجتمعية.

ثانياً: تجسيد روح التعاون والعمل بروح الفريق الواحد كونه البذرة الأولى لتطبيق مفهوم المسؤولية المجتمعية.

ثالثاً: اكتساب الإنسان منذ الصغر لعادات وقيم مجتمعية من خلال تفاعله مع أفراد المجتمع المحيط به.

رابعاً: إسهام المدارس والجامعات ووسائل الإعلام في تعزيز وتنمية الجانب الثقافي لغرس مفهوم المسؤولية المجتمعية.

المسؤولية المجتمعية وعلاقتها بالتقييس

أصدرت المنظمة الدولية للتقييس (ISO) عام 2010م المواصفة القياسية الدولية (26000ISO ) وذلك بهدف تعريف وتوضيح وإعطاء إرشادات وتوجهات خاصة بالمسؤولية المجتمعية تساعد وتشجع الجهات والمنظمات على اختلاف أنواعها وأنشطتها في دعم جهودها الرامية إلى تبني وتطبيق المسؤولية المجتمعية.

وتُعرف مواصفة الآيزو 26000 بأنها مواصفة عالمية تقدم الإرشادات العامة للمبادئ الأساسية للمسؤولية المجتمعية والمواضيع والقضايا المرتبطة بها، إضافة إلى أنها تتطرق للوسائل التي تمكن المنظمات والمؤسسات الإقليمية والوطنية من إدخال مفهوم المسؤولية المجتمعية ضمن إطار الاستراتيجيات والآليات والممارسات والعمليات الخاصة بها. واستناداً إلى تلك المواصفة نجد العديد من المنشآت في كثير من الدول تتسابق على تبنيها وذلك إدراكاً منها لأهمية تطبيقها كونه يحقق التنمية المستدامة للمجتمع.

وكان لمعظم أجهزة التقييس ومنها أجهزة التقييس في دول مجلس التعاون السبق في ذلك حيث تم تشكيل الفريق الخليجي للمسؤولية المجتمعية عام 2008م بهدف المساهمة في صياغة المواصفة القياسية الدولية (آيزو 26000)، ثم استضافت هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس الاجتماع الخامس للفريق الخليجي للمسؤولية المجتمعية بمشاركة ممثلي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وممثل عن هيئة التقييس لدول مجلس التعاون، وأقرت في حينها الاتفاق على رأي خليجي موحد للتصويت بالموافقة على المشروع النهائي للمواصفة القياسية (آيزو 26000) كمواصفة قياسية دولية. ثم توالت بعد ذلك الاجتماعات للفريق الخليجي الخاص بالمسئولية المجتمعية على مدى سنوات، وبعد البحث والدراسة تم إنجاز المشروع الخليجي للمواصفة القياسية الخاصة بالمسئولية المجتمعية تمهيداً لاعتماده رسمياً من قبل المجلس الفني للهيئة واللجنة الوزارية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وهكذا برزت المسئولية المجتمعية في الدول الغربية باعتبارها واحدة من دعائم الحياة المجتمعية الهامة، حيث تقاس قيمة الفرد في مجتمعه بمدى تحمله المسئولية تجاه نفسه وتجاه الآخرين، ولذلك تتسابق الكثير من الدول على تبني المواصفة القياسية الدولية للمسئولية المجتمعية 26000 ISO التي أصدرتها المنظمة الدولية للتقييس لتكون معياراً دولياً لتقديم التوجهات الخاصة بها، وكدليل إرشادي دولي يرسخ ويؤكد مفهوم تطبيقها داخل المؤسسات، مع إعطاء المنظمة الحق للدول المتحفظة على المواصفة ببناء مواصفة وطنية للمسؤولية المجتمعية تتناسب مع مبادئها وقيمها الخاصة استناداً إلى المواصفة العالمية.

*رئيس قسم العلاقات العامة والإعلام – الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة

طه عبد الله العامري
Comments (0)
Add Comment