باتت المسؤولية الاجتماعية القضية الأكثر اهتماماً وتحديداً لإدارات المنظمات وللمجتمع ككل، وترتبط بعلاقات ومتغيرات متعددة داخل المنظمة وخارجها، والمطلوب منها تعزيز مساهمتها في البناء والتقدم والحفاظ على المجتمع وتنميته.
وتتفق تماماً مع مفهوم التقييس ودوره في تحقيق الرفاهية للمجتمع من خلال تأثيره المباشر على حياة الناس. كما أن مطلوبات التنمية المستدامة تحتاج لتطبيق أخلاقيات المسؤولية الاجتماعية ووظائف التقييس كركيزتين مفصليتين في تعزيز التعليم الذي يعتبر إكسير الحياة البشرية، وفوق ذلك كله تحقيق الشراكات المجتمعية.
2/ ماذا نريد أن نقول؟
من خلال هذه المقالة نود مناقشة ارتباط أجهزة التقييس من واقع مسؤولياتها الاجتماعية مع المؤسسات التعليمية من حيث التطبيق للتأكيد على علاقتهما الوطيدة والربط المنهجي بالتنمية الإنسانية والاقتصادية المستدامة.
3/ المسؤولية الاجتماعية.. المناداة بالتعليم:
مع بـدء الحياة على سطح الأرض بدأ الإنسان يتطلع إلى المستقبل، فلم يجد إلا التعايش والتعاون مع الآخرين كأساس يضمن له الاستمرارية والبقاء، ومن هنا كانت البدايات الأولى للمسؤولية الاجتماعية التي تشكلت مع نشأة المجتمعات وتطورت مع تطور الحضارات.
واحتاج الإنسان لأدوات مساعدة في تحقيق التعاون والتعايش مع الآخر، فلم يجد سبيلاً غير التواصل والتعلم.
وتعالج المسوؤلية الاجتماعية عدداً من القضايا أبرزها الاستهلاك وحماية المستهلكين بتوفير فرص المعرفة والتعليم والتوعية، بجانب قضايا الشراكات المجتمعية والتنمية والتأثير المطلوب لخدمة المجتمع.
4/ التقييس.. قوة المعرفة:
أصبح التقييس ثقافة لها قوتها وفاعليتها ودورها الاجتماعي والعلمي والعملي، وتتعلق بعض فوائدها فى تجويد العمل وتحسينه، نحو التمكين الحقيقي لحماية الاقتصاد الوطني والمعاملات التجارية. ولقد أصبح منسوبو القطاعين العام والخاص وجمهور المستهلكين على حد سواء، بحاجة مستمرة إلى رفع الوعي فيما يتعلق بمحاور التقييس والدور المهم الذي تلعبه فى حياتهم. واستدعى ذلك تحريك جانب المسؤولية المجتمعية لمنظمات التقييس، للاعتماد على البرامج التعليمية والتنويرية لرفع الوعي كدوافع أساسيه لبيان القيم الفعلية لأهمية محاور التقييس في المجتمع ودورها الأساس فى ترقيته. وأقرت منظمة الأيزو ضرورة تعليم علوم التقييس فى المدراس ونشرها فى المجتـمع.
5/ التعليم.. إكسير الحياة:
تظل الأمم تسعى لتحقيق التنمية المستدامة والمحافظة على الموارد وإدارة البيئة، ولا يتحقق ذلك إلا بالتعليم المستمر من خلال عملية تربوية علمية مدروسة بمواصفات ومقاييس متفق عليها تقودها مؤسسات وطنية ملتزمة بمرجعيات وأهداف محددة، ويقوم بها تربويون ملتزمون أخلاقياً بمسؤوليات تجاه المجتمع، وبدون كل ذلك تظل الأمم ترزح تحت دائرة ثالوث الخطر: الجهل والفقر والمرض، وتبقي التنمية المستدامة حبيسة أنفاسها، فبدون التعليم تفتقد الحياة إكسيرها.
6/ التقييس والتعليم.. فلاح المجتمع:
هنا يكمن سر النجاح لفلاح المجتمع، فبالتقييس ومحاوره الثلاثة: المواصفات، المقاييس، الجودة تكتمل منظومة التعليم وجودتها، وبالتعليم يرتقي المستهلك نحو تطبيق التقييس في مناحي الحياة المختلفة، وتكتمل الصورة بالشراكات المجتمعية بين أجهزة التقييس ومؤسسات التعليم في وضع خارطة الطريق للتنمية المستدامة.
ويبقى الدور المطلوب هو دعم المجتمع نفسه لقضايا التعليم والتقييس من خلال المؤسسات في تطبيق أخلاقيات المسؤولية المجتمعية والشراكات في تأسيس علاقة متميزة بينها والمجتمع المحلي وتغطية احتياجاته مع ضرورة جلب المنفعة والربحية، بما يتماشى مع طبيعة أنشطتها.
ولابد من الإشارة إلى إن المسؤولية الاجتماعية التي حث عليها الإسلام كتنظيم اجتماعي يؤسس لبناء مجتمع مستقر ومتماسك تكتمل فيه جميع العناصر الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، هي لا تتوقف عند حد المساهمات المادية أو العينية كما هو حاصل في المنظور الوضعي، إنما تتعداه إلى غرس روح المحبة والألفة والرحمة كلبنة لخلق المجتمع المسلم المستقر والمستمر عبر العصور من خلال الحقوق والواجبات والأوامر والنواهي في شتى مجالات الحياة الاجتماعية.
7/ تجربة جمهورية السودان.. بيان بالعمل:
تأسيساً على ماتقدم من ربط يوضح العلاقة الدقيقة للمسؤولية الاجتماعية للتقييس في تحقيق التنمية المستدامة بالشراكة مع المؤسسات التعليمية فإن السودان وبحكم عضويته الفاعلة في المنظمة الدولية للتقييس (الآيزو) والمنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين (الإيدمو) يتوائم مع المطلوبات الدولية والعربية في تطبيق التقييس والمسؤولية الاجتماعية من خلال الأدوار التي يقوم بها (الجهاز الوطني السوداني للتقييس) ممثلاً في الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس التي أنشئت في عام 1992م وتمارس مسؤولياتها الوطنية مستقطبة في لجانها الفنية كل الكوادر المختصة بالإنتاج والاستهلاك وأثمر ذلك العديد من الإنجازات في مسار التنمية المستدامة.
وقد اهتم السودان بنشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية باستضافته المنتدى الدولي الأول للمسؤولية الاجتماعية في العام 2009م تحت شعار: مجتمعنا مسؤوليتنا، بمشاركة خبراء من المنظمة الدولية للتقييس كما استضاف في العام 2010م اجتماع اللجنة الفنية الدولية لوضع المواصفة القياسية الدولية 26000 للمسؤولية الاجتماعية.
– على المستوى الوطني كونت الهيئة أول لجنة قومية للمسؤولية الاجتماعية، وتشارك بفاعلية وتدعم فنياً ومالياً كل فعاليات وأنشطة المسؤولية الاجتماعية. وكونت لجنة قومية لشؤون المستهلكين مستجيبة للتوجه الدولي في إشراك المستهلك بإيجابية في حماية المجتمع.
– تنظم الهيئة برنامج (المواصفات أم المجتمع) للمسؤولية الاجتماعية وقدمت أول رسائل للتوعية عبر استخدام لغة الإشارة تأكيداً لدورها الرائد في رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة.
– حصلت الهيئة على جائزة المسؤولية الاجتماعية من رئاسة الجمهوربة السودانية كأول مؤسسة حكومية تنال هذه الجائزة الرفيعة.
– اهتمت الهيئة بأمر جودة التعليم حتى ينعم المستهلك الصغير ببيئة ملاءمة للتحصيل العلمي بجانب تهيئة البيئة المدرسية من حيث توفر متطلبات الأمان والسلامة.
– ركزت الهيئة على تطوير التعليم من خلال الاهتمام بتمليك المعلومات والمواصفات الفنية لموجهي ومعلمي التعليم بتنظيم ورشة عمل سنوية (نحو عام دراسي صحي آمن) بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم تمخض عنها: عقد شراكة مجتمعية لبث الوعي بالتقييس من خلال النشاط الطلابي وتكوين لجنة عليا للجودة الشاملة للبيئة المدرسية منذ العام 2009م.
– كما للهيئة تفرد في برامجها الفئوية لتعليم وتوعية المستهلك الصغير من خلال وسائل معرفية مبتكرة تساعد في تعلم الأطفال وإدارة حوار مجتمعي داخل الأسر.
– تسعى الهيئة في استراتيجيتها الوطنية لإدخال التقييس في المناهج الدراسية السودانية لضمان التعليم الجيد وتعزيز فرص توعية المستهلك وذلك بنهاية العام 2018م.
8/ توصيات:
- ضرورة إدراك أجهزة التقييس العربية لمسؤوليتها الاجتماعية تجاه التعليم والتثقيف وتوعية المستهلك وإدراك أثر هذه المسؤولية في تحقيق الآثار الإيجابية لها.
- ضرورة ترسيخ مفاهيم المسؤولية الاجتماعية فى الأذهان خاصة الأجيال الجديدة لتعلم ثقافة العطاء بإدخال برامج المسؤولية الاجتماعية ضمن المقررات الدراسية.
9/ خاتمة.. نقطة إنطلاق:
وهكذا فإن المسؤولية الاجتماعية لأجهزة التقييس في تحقيق التنمية المستدامة بالشراكة مع المؤسسات التعليمية ستفتح الطريق واسعاً أمام الجميع للتعليم والتعلم والتعايش والمشاركة في مجتمع معافى تسود فيه معاني الفضيلة، غير أن الطريق في بدايته ويحتاج للمعاول والفؤوس حتى نُعبّده، ويصبح خالياً من الموانع، ولكننا في يومٍ ما سنصل.
*متخصص في شؤون المستهلك، مدير العلاقات العامة والإعلام، بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس.