تخيّل لو أن كل دولة قامت بإنتاج بضائع ومنتجات بمواصفات خاصة بها فقط ولا توجد أي مواصفات عالمية متفق عليها بين الدول وبعضها بعضاً.
فمثلاً لم يكن هناك مقاس لأوراق الطباعة اسمه A4، وبالتالي ستحتاج كل دولة إلى طابعات خاصة بها تقبل فقط مقاس الورق الذي تنتجه محلياً، ولو لم توجد مواصفات موحدة لآلات وقطع الغيار، بالطبع لن تكون هناك تجارة بين الدول، وسوف يتأثر الاقتصاد العالمي سلباً، لذلك فمن المهم والحيوي لجميع الدول وجود مواصفات عالمية يتم الاتفاق والتوافق على محتوياتها والالتزام بها.
توجد ثلاث جهات تعتبر الجهات العالمية الرئيسة في وضع وتحديث المواصفات القياسية العالمية، وتلك الجهات هي المنظمة الدولية للمواصفات ISO التي تأسست عام 1947، والاتحاد الدولي للاتصالات ITU الذي تأسس عام 1865، واللجنة الدولية الكهروتقنية التي تأسست عام 1906، هذا بالإضافة إلى معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات IEEE الذي يصدر أيضاً مواصفات تخصصية، وقد تأسس عام 1963. ومعظم تلك المواصفات تتم صياغة مسوداتها من قبل جهات علمية متخصصة ثم تطرح للنقاش والتنقيح من قبل الدول الأعضاء ويتم التصويت على تلك المواصفات وكل المصطلحات والتعريفات المستخدمة.
ولاشك أن تلك المواصفات تؤثر في حياتنا بمختلف الأشكال، بداية من إجراءات الأمن والسلامة في السيارات، ثم نسب المواد الحافظة في الأطعمة المحفوظة التي نستهلكها وجودة الهواء والماء، وكل الأجهزة الكهربائية وانتهاءً بالمعدات الطبية والأدوية باختلاف أنواعها.
لقد تم الاتفاق بين تلك الجهات على تخصيص يوم عالمي للمواصفات لزيادة الوعي بأهمية المواصفات في حياتنا وتأثيرها علينا جميعاً، ويصادف يوم 14 أكتوبر من كل عام، وكان موضوع هذا العام هو المواصفات والمدن الذكية، حيث تلعب المواصفات دوراً جوهرياً في تصميم وبناء وإدارة المدن الذكية التي ستكون هي نموذج مدن المستقبل قريباً جداً.
إن موضوع المواصفات ودراساتها أصبح من الموضوعات الجوهرية في إدارة الجودة، بل الإدارة بصفة عامة، وهناك الكثير من الوظائف المتاحة في مجال المواصفات، ودائماً هناك الخبراء في هذا المجال، خصوصاً في مجال البيانات وتكنولوجيا الاتصالات، والمواصلات، والنقل والرعاية الصحية، وكذلك صناعة الدواء. وهناك فرص متعددة لمؤسسات التعليم العالي والمهني والمؤسسات البحثية لتقديم برامج دراسية وتدريبية في هذا المجال، خصوصاً في ما يتعلق بأثر تطبيق المواصفات وربطها بالثقافة المحلية والمتطلبات الخاصة بكل دولة في وطننا العربي. ويمكن البدء دائماً برفع الوعي حول الموضوع من خلال النشر، وتضمين الموضوع في المساقات الدراسية في مختلف المراحل الدراسية، كما يمكن أيضاً الاحتفال باليوم العالمي للمواصفات كبداية للتوعية.
* مدير برنامج الجودة الاستراتيجية
كلية إدارة الأعمال، جامعة بورتسميث – بريطانيا