يعتبر مارس شهر الأعياد للمستهلك، فأيام المستهلك والتقييس تجمعت فيه وكأنه أيقونة للحب، حيث تبدأ الأعياد فيه بيوم المستهلك الخليجي والذي يأبى إلا أن يعانق يوم المستهلك العربي في الأول من مارس في وشائج من التعاون والتناغم والتلاحم، يطل بعدهما يوم المستهلك العالمي الذي يصادف الـ 15 مارس، وقبل أن يمضي الشهر إلا ونجتمع سوياً مرة أخرى، فرحاً، في اليوم العربي للتقييس 25 مارس.
وسوف نركز قليلاً مع يوم المستهلك العالمي فالشعار الذي وضعته المنظمة الدولية للمستهلكين” لهذا العام “الذكاء الاصطناعي العادل والمسؤول لصالح المستهلكين ” يعني كل المستهلكين ولا سيما المستهلكين في الوطن العربي بالضرورة، ربما لأن موضوعه يحتاج لكثير بحث وتدقيق حتى يلم بتفاصيله كل المستهلكين في الوطن العربي، حيث يعتبر موضوع الذكاء الاصطناعي حديثاً على المستهلك العربي البسيط على أقل تقدير، فالمعلومات الخاطئة وانتهاكات الخصوصية بالإضافة لعمليات الاحتيال عبر الإنترنت لا زالت تؤرق مضاجع الكثيرين، فضلاً عن نشر معلومات كاذبة من تلك المنصات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، والتي يجب إيجاد حلول ومعالجات لها حتى يتمتع المستهلك بذكاء اصطناعي عادل ومسؤول.
فقد شهد القرن الحادي والعشرين تطورات تقنية كبيرة، أعادت هندسة العديد من المجالات بفعل التطورات التقنية والتكنلوجية المذهلة التي أدت بعد توظيفها إلى تحسين الحياة بشكل كبير. من بين هذه التطورات، الذكاء الاصطناعي الذي تم استخدامه في تحسين الأداء في العديد من القطاعات الصناعية والخدمية، وغيرها من التطورات التقنية التي شهدها القرن الحادي والعشرين، وقد لعبت الجوائح التي ألمت بالبشرية مؤخراً، دوراً في تسريع عملية التحول إلى الرقمنة بشكل كبير ومفاجئ وغير مسبوق بالنسبة للكثير من الناس. وأضحى تواصل البشرية يتم عبر التواصل الرقمي عن بعد، أكثر- فصرنا نشتري ونبيع ونتسوق عبر الإنترنت ونتعلم ونعمل ونعقد الاجتماعات وكل شيء تقريباً، حيث استفادت الشركات والكيانات الناشئة من هذا الوضع التي كانت سباقة للاستفادة من تلك التطورات لإرساء معايير تنافسية جديدة.
فما هو الذكاء الاصطناعي؟
عرفته الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي بأنه: أنظمة تستخدم تقنيات قادرة على جمع البيانات واستخدامها للتنبؤ أو التوصية أو اتخاذ القرار بمستويات متفاوتة من التحكم الذاتي، واختيار أفضل إجراء لتحقيق أهداف محددة. ويعتبر مصطلح الذكاء الاصطناعي مصطلحًا شاملًا للتطبيقات التي تؤدي مهام مُعقدة كانت تتطلب في الماضي إدخالات بشرية مثل التواصل مع العملاء عبر الإنترنت. ويُستخدم غالبًا هذا المصطلح بالتبادل مع مجالاته الفرعية، والتي تشمل التعلم الآلي (ML) والتعلم العميق، حيث تم إعداد روبوتات الدردشة المولدة بتقنية الذكاء الاصطناعي لتحويل الطريقة التي نبحث بها على الويب. حيث تعمل روبوتات الدردشة المولدة بالذكاء الاصطناعي على دمج أنظمة الذكاء الاصطناعي لتقليد المحادثة البشرية بطرق متطورة، كما هو الحال في البحث عبر الإنترنت، حيث بدأت شركات التكنولوجيا الرائدة في تنفيذ الذكاء الاصطناعي التوليدي في تجارب البحث التي تجريها عبر تقنية يتفاعل معها المستهلكون يوميًا، وغالبًا ما يستخدمونها دون أن يدركوا ذلك. ويتم ذلك باستخدام خوارزميات معقدة لإنشاء نتائج بحث يمكن تخصيصها للمستخدمين الفرديين. إن إضافة الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى هذه التكنولوجيا المبهمة يهدد بإحداث أضرار جديدة وأكبر للمستهلكين. ولا يعرف حتى الآن مدى تأثير ذلك على الفرد والمجتمع عند إطلاق العنان لنموذج الذكاء الاصطناعي.
فهل يثق المستهلكين اليوم في روبوتات الدردشة المنتجة بالذكاء الاصطناعي، وكيف تتم حمايتهم من المعلومات المضللة والتزييف؟
وهل يحتاج المستهلكين إلى تدخلات سياسية للحد من الممارسات الضارة ومخاطر منصات الذكاء الاصطناعي التوليدية؟
وهل تتعامل الشركات بشكل أخلاقي مع جمع واستخدام بيانات المستهلك؟ ومن المسؤول عندما يتضرر شخص ما من الذكاء الاصطناعي التوليدي؟
ليبرز السؤال الأكبر كيف نحمي المستهلك في زمن الذكاء الاصطناعي؟
من الواضح أن هناك العديد من الأسئلة عن الذكاء الاصطناعي التوليدي تحتاج للمختصين والخبراء، وتعتبر الإجابة عليها أمرًا ضروريًا. وهذا يعني أن حماية المستهلك التقليدية تحتاج إلى إعادة التفكير لمواكبة أحدث التطورات.
حيث تلاشي اليوم مفهوم السوق التقليدي وصار السوق حديثاً لا يشكل بالضرورة ذلك الحيز المكاني الضيق، بل صار أكبر وأوسع فبضغطة زر واحدة يمكنك أن تتعرف على كل شيء واختيار ما تريده بسهوله ويسر.
وقد صدق الرئيس جون كندي عندما قال في الكونغرس الأمريكي (15 مارس 1962) ” إن المستهلكين هم الشريحة الكبيرة في العالم والتي تتأثر وتؤثر في السوق الاقتصادي إلا إن صوتها لا يزال غير مسموع).
فقضية كالشفافية مثلاً تحتل حيزاً كبيراً من تفكير المستهلكين، فقد نصت مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية لحماية المستهلك على أهمية الشفافية عندما يتعلق الأمر بتزويد الناس بالمعلومات التي يحتاجون إليها لاتخاذ خيارات مستنيرة، وتمكين السلطات من وضع القواعد وإنفاذها.
فالمستهلك تنتابه مخاوف حقيقية عن كم البيانات والمعلومات الهائلة التي يتم تصنيفها وترتيبها ودمجها والاستفادة منها عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي لصالح الشركات.
إن نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية المفتوحة يتم استخدامها اليوم لإنتاج معلومات وبيانات مضللة وإنشاء صور وتركيبات مخلة بالفرد والجماعات، بل تطور الأمر بدخول الذكاء الصناعي في كل مناحي الحياة فإن لم تجد لها مواجهة قوية فستبدأ في التأثير على الدين والأخلاق والقيم والقوانين. الأمر الذي يحتم علينا إعادة التفكير في طرق حديثة لحماية المستهلك لمواكبة الأحداث والتطورات المتلاحقة، فنحن اليوم على أعتاب عصر جديد توظف فيه التكنولوجيا الحديثة من بعض ضعيفي الذمم لبسط المعلومات الخاطئة والمضللة من أجل الاحتيال على المستهلك، وللأسف غالبية المستهلكين يجدون صعوبة في معرفة واكتشاف مثل هذه الأنشطة الاحتيالية عبر الإنترنت.
كُتب كثيراً عن قدرة الذكاء الاصطناعي في خدمة المؤسسات ودوره في تبسيط اعمالها، دون التطرق للجهة التي ينبغي عليها أن تتحمل المسؤولية لأنصاف المتضررين منه.
فالجميع يدرك أهمية الذكاء الاصطناعي ودوره المهم والفاعل وفوائده الواسعة لمختلف القطاعات ولعل أهمها قدرته على أتمتة العمليات، والتغلب على المشكلات المعقدة، وزيادة كفاءة الأعمال، وقدرته على اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً، لذ يجب وضع سياسات ناجعة لحماية المستهلك حتى نتمكن جميعنا من الاستفادة القصوى منه مع التقليل من سلبياته.
حان الأوان أن يكون المستهلك هو صاحب الصوت الأعلى والأقوى وأن يكون ذو تأثير بالغ في كل العمليات ومدركاً لكافة حقوقه، فهو السيف الصقيل الذي يحارب به لبناء عالم يستطيع فيه الوصول إلى منتجات وخدمات آمنة ومستدامة.
وتعتبر الأعياد فرصة ثمينة لرفع مستوى الوعي حول المستهلك وحقوقه واحتياجاته وإلقاء الضوء بكثافة على الانتهاكات التي يتعرض لها المستهلك في السوق مع التركيز على حقوقه واحترامها.
وختاماً ثمة سؤال جوهري لكل من يقرأ هذه المقالة. هل يمكنك معرفة ما إذا كان ما تقرأه الآن مكتوب بواسطة الذكاء الاصطناعي (AI)؟