يُمثل اليوم العالمي للمواصفات فرصة للاحتفاء بالدور البارز الذي تلعبه المعايير في حماية البيئة وتعزيز الاستدامة. فالمواصفات القياسية، بوصفها لغة عالمية مشتركة، توفر إطاراً موحداً لضمان جودة المنتجات والخدمات، وحماية المستهلكين، والحد من الأضرار البيئية.
دور المواصفات في حماية البيئة
- تحديد أفضل الممارسات البيئية
تساهم المواصفات القياسية مثلISO 14001 في وضع إرشادات واضحة للمنظمات لتطبيق ممارسات بيئية مستدامة، وتساعد هذه المواصفة على تحسين كفاءة استخدام الموارد وتقليل التلوث وإدارة النفايات بطرق مستدامة.
- تعزيز الاقتصاد الدائري
تشجع المواصفات القياسية على الانتقال إلى اقتصاد دائري، حيث يتم إعادة استخدام المواد والمنتجات لأطول فترة ممكنة. ويؤدي هذا إلى تقليل الحاجة إلى استخراج موارد خام جديدة، كما يحد من إنتاج النفايات الصناعية.
- تقييم دورة حياة المنتج Life Cycle Assessment
تساعد عملية تقييم دورة الحياة (LCA) المنظمات على فهم التأثيرات البيئية لكل منتج عبر مختلف مراحله، بدءًا من استخراج المواد الخام وحتى التخلص النهائي منها. يساهم هذا في اتخاذ قرارات إنتاجية وتجارية أكثر استدامة.
- دعم الطاقة المتجددة
تساهم المواصفات القياسية في تعزيز استخدام الطاقة المتجددة وتحديد معايير أداء فعالة لها. على سبيل المثال، المواصفة ISO 14064 تقدم إطاراً لقياس وإدارة انبعاثات الغازات الدفيئة، مما يساعد المؤسسات في خفض انبعاثاتها الكربونية والانتقال نحو اعتماد مصادر طاقة متجددة ونظيفة.
ما بعد ISO 14001 مواصفات أخرى مهمة
إلى جانب ISO 14001، هناك مواصفات قياسية أخرى تلعب دوراً محورياً في إدارة البيئة والاستدامة، مثل:
- إدارة الطاقة ISO 50001
تركز هذه المواصفة القياسية على تحسين كفاءة استخدام الطاقة وتقليل استهلاكها في المنظمات. ومن خلال اعتماد ISO 50001، يمكن للمؤسسات تقليل تكاليف الطاقة والحد من انبعاثات الكربون بشكل كبير، مما يعزز الاستدامة.
- البصمة الكربونية للمنتجات ISO 14067
تهدف هذه المواصفة القياسية إلى تحديد طرق قياس وتقييم البصمة الكربونية للمنتجات، مما يسمح للمؤسسات بفهم الانبعاثات الناجمة عن دورة حياة منتجاتها وتبني استراتيجيات للتخفيف من هذه الانبعاثات.
المواصفات القطاعية وأمثلة واقعية لتطبيقها في القطاعات المختلفة
هناك العديد من المواصفات التي تم تطويرها خصيصاً لقطاعات معينة مثل صناعة السيارات، الإلكترونيات، والبناء. على سبيل المثال:
- قطاع السيارات: في هذا القطاع، تُعد مواصفات مثل ISO 26262 أساسية لضمان أمان وفعالية السيارات الكهربائية والهجينة. كما تسهم المواصفات القياسية البيئية الأخرى في تطوير تقنيات تساهم في تقليل الانبعاثات وزيادة كفاءة استهلاك الوقود، مما يساعد الشركات على الالتزام باللوائح البيئية العالمية. وتركز المواصفات القياسية على تقليل الانبعاثات الناتجة عن المحركات وتحسين كفاءة الوقود لتحقيق أداء بيئي أفضل.
- قطاع البناء: في المباني الحديثة، تُستخدم مواصفات مثلISO 21931 لتقييم الأداء البيئي للمباني والهياكل العمرانية. وتساعد هذه المواصفة القياسية في تحديد أفضل الممارسات للبناء المستدام من خلال التركيز على مواد البناء الصديقة للبيئة وتقليل استهلاك الطاقة في المباني، مما يعزز الاستدامة البيئية في قطاع البناء.
- صناعة الإلكترونيات: تهدف مواصفات مثلIEC 62430 إلى توجيه الشركات المصنعة للإلكترونيات نحو اعتماد ممارسات تصميم صديقة للبيئة. وتشمل هذه الممارسات تقليل استهلاك الطاقة وتسهيل إعادة تدوير المنتجات الإلكترونية، مما يساعد في تقليل التأثيرات البيئية السلبية لهذه المنتجات على المدى الطويل.
المواصفات الإقليمية والوطنية.. ودورها في تعزيز الاستدامة
إلى جانب المواصفات الدولية مثل ISO، تلعب المواصفات الإقليمية والوطنية دورًا مهمًا في معالجة التحديات البيئية المحلية وتعزيز الامتثال للمواصفات البيئية الخاصة بكل منطقة. هذه المواصفات تساهم في:
- معالجة التحديات المحلية: تركز المواصفات الوطنية على حل التحديات البيئية الخاصة بكل دولة أو منطقة. فعلى سبيل المثال، قد تتطلب بعض الدول مواصفات خاصة بإدارة المياه في المناطق الجافة أو تلك التي تعاني من شح المياه، بينما تركز دول أخرى على تطوير مواصفات للتحكم في التلوث الصناعي في المناطق الصناعية الكبيرة.
- التكامل مع المواصفات الدولية: غالبًا ما تكون الواصفات الوطنية متوافقة مع المواصفات الدولية مثل ISO، ولكن مع تخصيصها لتلبية المتطلبات والظروف المحلية. وهذا التكامل يضمن أن الشركات المحلية تستطيع الامتثال للمواصفات العالمية مع الأخذ في الاعتبار الفروقات البيئية المحلية.
- تشجيع الابتكار البيئي المحلي: تساهم المواصفات الوطنية في تعزيز الابتكار في المجالات البيئية المحلية من خلال تشجيع الشركات والمؤسسات على تطوير حلول بيئية تتناسب مع التحديات الفريدة التي تواجهها مناطقهم.
مقارنة بين ISO والمواصفات الوطنية في بعض الدول
- الولايات المتحدة:
تعتمد الولايات المتحدة مواصفات خاصة مثل EPA (وكالة حماية البيئة) التي تتعلق بالانبعاثات الصناعية والملوثات البيئية. وعلى الرغم من أن الكثير من الشركات تلتزم بمواصفات ISO، إلا أن الالتزام بالمعايير المحلية مثل تلك التي تضعها EPA يعد ضرورياً لضمان الامتثال المحلي.
- الاتحاد الأوروبي:
يتم تطبيق مواصفات ISO إلى جانب متطلبات القانون البيئي الأوروبي، والذي يفرض قيوداً صارمة على الشركات في مجالات مثل انبعاثات الكربون وإدارة النفايات.
- المملكة العربية السعودية:
تركز المواصفات الوطنية مثل تلك التي تضعها الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة (SASO) على ضمان الامتثال البيئي في القطاعات الصناعية، بما يتوافق مع متطلبات ISO ولكن مع مراعاة الظروف البيئية الخاصة بالمملكة مثل حماية الموارد المائية.
التحديات المستقبلية
- التغير المناخي
مع تفاقم أزمة التغير المناخي، تلعب المواصفات القياسية دوراً أساسياً في تطوير حلول مبتكرة للحد من آثار التغير المناخي. على سبيل المثال، مواصفات مثل ISO 14064 تساعد المؤسسات في قياس وإدارة انبعاثات الغازات الدفيئة، مما يمكّن الشركات من تحسين أدائها البيئي وخفض البصمة الكربونية الخاصة بها. وتساهم المواصفات القياسية أيضاً في تشجيع استخدام الطاقة المتجددة وتعزيز الكفاءة في استهلاك الموارد، وهي جوانب رئيسية في مواجهة التغير المناخي.
- الاقتصاد الدائري
يعتبر الاقتصاد الدائري واحداً من الحلول الأساسية التي تسهم في تعزيز الاستدامة البيئية. ومن خلال المواصفات القياسية، يتم تحديد أفضل الطرق لإعادة تدوير المنتجات وإطالة عمرها الافتراضي. على سبيل المثال، مواصفات مثل ISO 14067 (التي تركز على بصمة الكربون) تساعد المؤسسات على تقييم تأثيراتها الكربونية واتخاذ إجراءات لزيادة استخدام المواد القابلة لإعادة التدوير. ويمكن للمواصفات القياسية أن تدعم الانتقال إلى اقتصاد دائري يعتمد على إعادة تدوير المواد واستخدامها بشكل مستدام، مما يقلل من الاعتماد على الموارد الطبيعية الجديدة ويحد من إنتاج النفايات.
- الذكاء الاصطناعي (AI)
يُعد الذكاء الاصطناعي من الأدوات التكنولوجية التي يمكن أن تُحدث ثورة في مجال التقييس. ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في تطوير معايير جديدة لتحسين العمليات الإنتاجية والبيئية، من خلال جمع وتحليل البيانات بشكل أسرع وأكثر دقة. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لرصد الامتثال للمعايير البيئية في الوقت الحقيقي وتحديد المخالفات البيئية بدقة أكبر، مما يسهم في تحسين الامتثال وتقليل التأثيرات البيئية السلبية.
ومن الأمثلة العملية، فإن المواصفة القياسية ISO/IEC JTC 1/SC 42 التي تتعلق بالذكاء الاصطناعي، تساعد في وضع معايير للذكاء الاصطناعي بحيث يكون متوافقًا مع المتطلبات البيئية وأخلاقيات الاستدامة. وتسهم هذه المواصفات القياسية في تحسين القدرة على رصد الأداء البيئي وتحليل البيانات الضخمة بسرعة وفعالية.
الاستدامة والتقييس: شراكة لتحقيق مستقبل أفضل
- أهداف التنمية المستدامة
ترتبط أنشطة التقييس ارتباطاً وثيقاً بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDGs). وتساهم هذه الأنشطة بشكل مباشر في تحقيق العديد من هذه الأهداف، مثل الطاقة النظيفة بأسعار معقولة (SDG7)، الصحة الجيدة (SDG 3) ، والمدن والمجتمعات المستدامة (SDG 11).
- الابتكار المستدام: تحفز المواصفات القياسية على الابتكار في مجال التقنيات الخضراء والصديقة للبيئة. وهذا يؤدي إلى تطوير منتجات وخدمات أكثر استدامة، قادرة على تلبية متطلبات السوق والمستهلكين مع الحفاظ على الموارد الطبيعية.
- النمو الاقتصادي الأخضر: تساهم أنشطة التقييس في تحقيق نمو اقتصادي مستدام من خلال تعزيز الكفاءة، وتقليل التكاليف المرتبطة بإهدار الموارد، وتحسين جودة المنتجات والخدمات المقدمة.
ختاماً
تعتبر المواصفات القياسية أداة أساسية لتحقيق الاستدامة البيئية. من خلال وضع معايير واضحة، وتشجيع الابتكار، وتعزيز التعاون بين مختلف الأطراف المعنية، كما تساهم بشكل فاعل في بناء مستقبل مستدام للأجيال القادمة. وتشكل مواصفات مثل ISO 14064 وISO 50001، إلى جانب المواصفات الإقليمية والوطنية، جزءًا لا يتجزأ من الحلول البيئية المبتكرة التي تساهم في تحقيق أهداف الاستدامة العالمية.
* فيزيائية خبيرة في المترولوجيا – مستشارة في الاستدامة والمشاريع البيئية
