لا يخفى على الجميع أن قطاع التنقل مقبل على تغيير شامل، فتلك المركبات التقليدية التي تعمل بالجازولين أو الديزل ستغدو كهربائية أو هيدروجينية صديقة للبيئة لا محالة! وشاهِدُنا هنا هو تضاعف حصة مبيعات المركبات الكهربائية في عام 2020م مقارنة بالعام السابق في جميع دول العالم.
فقد بلغت حصة المركبات الكهربائية في عام 2020م 4.2% بينما كانت حصتها 2.5% في عام 201م، وذلك بحسب تقارير نشرت في منتدى الاقتصاد العالمي. أما بالنسبة إلى وظيفة السائق فإنها ماضية لا محالة وسيغدو السائق مشغل رحلات يضع إحداثيات الرحلة ويعمل على جدولة أوقات المسافرين والركاب كمراقب القطار أو كابتن الطائرة.
وتأتي عملية التحول إلى النقل المستدام أو النقل الصديق للبيئة، من ضمن أهداف وأولويات الدول المتقدمة لمكافحة الكوارث والجوائح القادمة التي تهدد مستقبل الحياة على كوكبنا الأزرق، فمن الثابت أن كوكبنا يعاني حالياً من تبعات ظاهرة تغير المناخ والاحتباس الحراري الناجم عن الغازات الدفيئة، وتعتبر عملية التغيير نحو النقل المستدام أو النقل الصديق للبيئة رافد من روافد الدول المتقدمة لتعزيز أهداف التنمية المستدامة (SDGs) التي اعتمدتها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عام 2015.
وتأتي المركبات الصديقة للبيئة أو كما كانت تسمى سابقاً بالمركبات البديلة، في صور وأشكال متفرقة على النحو التالي:
ومع اختلاف خصائص المركبات أعلاه، فإن جميعها تحمل تسمية واحدة يُطلق عليها مركبات منعدمة الانبعاثات الكربونية (Zero-emissions vehicle) أي لا تخرج من عوادمها أي انبعاثات سامة وضارة بالبيئة المحيطة للمركبة ناتجة عن احتراق الوقود التقليدي.
وبالإضافة إلى علاج مشكلة التلوث العالمية سيتحتم على دول العالم في السنوات القادمة معالجة تفاقم ظاهرة الازدحام المروري الناتج عن تزايد عدد المركبات الشخصية، وبذلك ستعزز الدول البنية التحتية لوسائل النقل العام وستشجع على استخدام الطاقة البشرية (Human Power) في التنقل كاستخدام الدراجات للتنقل الداخلي أو المشي سيراً على الأقدام لمجابهة أمراض العصر وأنسنة المدن لعلاج المشاكل الاجتماعية عبر تلاقي الناس بصورة أكثر في الشبكات والممرات والطرق الخاصة بالمدن الحديثة.
أما بالنسبة لنظم القيادة الذاتية فإن الشركات العالمية في سباق وتهافت كبير على تملك حقوق أنظمة القيادة الذاتية، لتعزيز حصتها في السوق الواعد، بل إن شركات كبيرة مثل جوجل (Google) استشرفت مستقبل السيارات ذاتية القيادة وعملت على تطوير نظم للقيادة الذاتية بالتعاون مع مصنعي السيارات منذ عام 2009م.
ونتيجة للتعاون بين شركات تقنية رائدة وبين كبار مصنعي المركبات نشأت العديد من الشركات الواعدة لصناعة نظم أو مركبات ذاتية القيادة مثل شركة وايمو (Waymo) التابعة لشركة جوجل (Google) الأم، ومؤخراً انتشرت معلومات أو شائعات عن تعاون مستقبلي بين شركات رائدة في التقنية كشركة آبل وهواوي وبين مجموعة من مصنعي المركبات لإنتاج وتصنيع مركبات كهربائية ذاتية القيادة في السنوات القريبة القادمة.
ومن أبرز محاسن نظم القيادة الذاتية تقليل عدد حوادث المركبات الناجمة عن الخطأ البشري، حيث يتجاوز عدد الوفيات بسبب حوادث المركبات سنوياً حوالي مليون وفاة أغلبها بسبب الأخطاء البشرية، وكذلك تساهم نظم القيادة الذاتية في تقليل الازدحامات المرورية كتلك الازدحامات الناجمة عن مخالفات قانون السير المروري، كما وتوفر نظم القيادة الذاتية لمالك المركبة إمكانية التنقل من دون الحصول على رخصة قيادة! فبذلك ستوفر هذه التقنية تجربة تنقل مستقلة لأصحاب الحالات الخاصة وذوي الهمم، ناهيك عن الرفاهية التي ستوفرها هذه المركبات للسائق حيث ستتيح له التمتع بأنشطة أخرى أثناء عملية التنقل كاستخدام الهاتف، أو القراءة، أو الدردشة، أو اللعب مع الركاب الأخرين.
ويتضح لك عزيزي القارئ من متن المقال أنه بحجم ووتيرة التطور الذي يشهده قطاع تصنيع المركبات، ستشهد المعايير واللوائح الفنية تغيرات كبيرة وجذرية قد تنسف المواصفات واللوائح القائمة على التعريف التقليدي للمركبة فسيصبح من غير الضروري الإلزام بأن تزود المركبة بمقود لقيادتها أو دواسات تحكم بالسرعة أو أن يلزم المصنع بوضع مناظر جانبية لإتاحة الرؤية على يمين ويسار المركبة ولربما يصبح من غير الضروري أن تزود المركبات بنافذة أمامية أو نوافذ جانبية! ناهيك عن عدم الإلزام برخصة القيادة لتملك المركبة أو التنقل فيها!
وستشترك جهات جديدة في الرقابة على المركبات ذاتية القيادة كجهات تنظيم الاتصالات والشبكات فالمركبات الجديدة مزودة بخصائص الاتصال اللاسلكي، كما وستشترك جهات مثل شركات تزويد الكهرباء وشركات بدائل الطاقة في تنظيم محطات الشحن المستقبلية، ووضع خطط مستقبلية لتحويل محطات البنزين إلى محطات شحن كهربائية سريعة.
ومن الجلي جداً أن المواصفات المستقبلية ستأخذ في عين الاعتبار معايير الأمن السيبراني (الأمن الحاسوبي) نظراً لما تشكل هذه الأنظمة من تهديد مباشر لسلامة ركاب المركبة عند اختراقها والعبث في مسارها أو تعطيل أنظمة قيادتها الذاتية، وستركز المواصفات المستقبلية على خصائص ترددات الطيف الراديوي لتحقيق الانسجام في لغة التواصل بين المركبات أنفسها.
أما بخصوص الشأن القانوني فستتعدد الأطراف المشاركة في المسؤولية القانونية، فمن سيلام عند وقوع حادث لمركبة تعمل بنمط القيادة الذاتية؟! هل مالك المركبة؟ أم مُصنّها؟ أم الشركة صاحبة تقنية القيادة الذاتية؟ أم الدولة متمثلة في الجهة المسؤولة عن الطريق والممتلكات العامة؟ أم شركات الأقمار الصناعية التي تزود شركات نظم الملاحة بالإحداثيات؟ أم شركات نظم الملاحة؟، علاوة على ذلك سيطرأ تغيير على نمط تأمين المركبات ذاتية القيادة بأن لا تكون وثيقة التأمين ثلاثية الأطراف، بل ستشمل أطراف أكثر ولربما تسمى مستقبلاً بوثيقة التأمين متعدد الأطراف، كما وستشكل سياسة “خصوصية الاستخدام” ومشاركة البيانات كبيانات “المواقع والأماكن” التي يقصدها راكب المركبة ذاتية القيادة تحدي كبير على الجهات القانونية فضلاً عن جهات التقييس أنفسها!، وبذلك ينجلي لك عزيزي القارئ أن المركبات البديلة ستفرض نظم وتشريعات قانونية حديثة خاصة بالمركبات البديلة والمركبات ذات نظم القيادة الذاتية.
أسئلة كثيرة بلا إجابات، ولكن حتماً في السنوات المقبلة سنجد إجابات غنية وثرية لكل تساؤل.
*أخصائي مطابقة – هيئة التقييس لدول مجلس التعاون