دور المواصفات القياسية في استمراية الأعمال.. في زمن كورونا الجديد

د. زكي الرباعي

0 1٬393
اعلان المتجر
ليس هناك شك في أن كل جائحة تصيب العالم أو جزءاً منه تسبب ضرراً بالغاً للأعمال التجارية. وقد لا يتمثل هذا الضرر فقط في انخفاض الطلب أو زيادة حادة في العرض على المنتجات أو الخدمات، ولكن قد تكون المشكلة جوهرية متمثلة في قدرة الشركات والمؤسسات وأصحاب الأعمال على تقديم المنتجات والخدمات واستمرارية تدفقها بطريقة مختلفة للغاية عن الظروف الاعتيادية.
عالم الأعمال وتحديات كورونا..

يعرف الوباء بأنه “تفشي مرض يحدث في منطقة جغرافية واسعة ويؤثر على نسبة عالية بشكل استثنائي من السكان.” (قاموس ميريام وبستر). وبلغة عالم الأعمال يمكن ترجمة ذلك ببساطة بعدم قدرة الموظفين والمستفيدين من الوصول لخدمات أو منتجات الشركات، وإن استطاعوا الوصول فسيكون ذلك مصحوباً بحالة مريعة من الخوف على سلامتهم وسلامة عائلاتهم، يصاحب ذلك أيضاً عدم القدرة على الوصول أو النفاذ إلى الأسواق المحلية أو العالمية نتيجة للقيود التي تفرضها حكومات الدول لحماية مواطنيها والمقيمين على أراضيها، نظراً للانتشار المخيف للفيروس وبشكل لم يسبق له مثيل في ظل عدم وجود لقاحات أو علاجات توقف هذا الانتشار حتى اللحظة.
وإذا اتسع نطاق الجائحة كما هو حاصل اليوم مع جائحة كورونا الجديد ( كوفيد 19)، في كل دول العالم، وما صاحب ذلك من إغلاق للنطاقات الجغرافية، فإن ذلك يعني مزيداً من القيود التي يتم وضعها للحد من انتشار الجائحة، سواء من خلال تقييد حركة السفر والطيران والتبادل التجاري بين دول العالم، وتقييد العمل في مقار المؤسسات، وما يتبع ذلك من إقفال العديد من الشركات أبوابها، وتسريح ملايين الموظفين، أو تخفيض رواتبهم في أحسن الحالات، أو تجميد الأعمال كأسواق البورصات على سبيل المثال، خوفاً من حدوث نزيف حاد في قيمة الأسهم.
وكاستجابة سريعة لمعالجة الآثار المترتبة على هذه الجائحة، كان لابد من اتخاذ العديد من الإجراءات لضمان استمراية الأعمال، وتدفق سلسلة الإمداد. ويأتي على سلم هذه الحلول العمل عن بعد باستخدام الخدمات التقنية الحديثة وتوفير البيانات من مزودي الخدمات السحابية وشركاء اللوجستيات بديلاً عن العمل في مقر المؤسسات والشركات.
ورغم الإشكالات الكبيرة سواء الفنية منها أو من مدى سهولة أو صعوبة الوصول إلى البيانات، أو ما يتعلق بأمن وسرية المعلومات وإمكانية تعرضها للاختراق أو الفقدان. فإن ذلك كله يتطلب التعامل بمهنية مع الظروف الناتجة عن هذه الجائحة، وإعادة تقييم جميع الإجراءات المتخذة في الظروف الطبيعية، بما يساهم في تسهيل العمليات للحيلولة دون توقف المؤسسات وما يشكله ذلك من آثار كارثية في كثير من الحالات. مع ضمان عدم استغلال هذه الظروف للإخلال بمتطلبات السلامة والصحة والبيئة أو أمن البيانات وضمان تدفقها.
ولذلك، فإن تحقيق هذا الهدف من خلال الأساليب الجديدة في ممارسة الأعمال يتطلب أنواعاً مختلفة من المهارات سواءً لدى القيادة العليا للمؤسسات أو الموظفين أو الشركاء في سلسلة التوريد والإمداد، وبما يضمن تقديم خدمة بجودة عالية، ويضمن سلامة البيانات وعدم تعريضها للخطر.

استمرارية الأعمال.. وخطط التعافي

وفي ظل هكذا ضبابية وانهيار في أغلب القطاعات، تلعب العديد من المواصفات القياسية الدولية دوراً مهماً في مساعدة القادة والمديرين وأصحاب الأعمال وتساهم في معالجة هذه التحديات. وتعتبر المواصفة القياسية الدولية ذات العلاقة باستمرار الأعمال ISO 22301 واحدة من أهم المواصفات التي يزيد الحديث عنها في هذه الظروف.
تساعد هذه المواصفة القادة ورجال الأعمال على تصميم خطط منهجية لاستمرارية الأعمال في منظماتهم، وتحقيق الاستقرار والنمو، وتأخذ بعين الاعتبار الاقتصاد الهش الذي تمر به أغلب الشركات والمؤسسات في دول العالم كنتيجة حتمية لتفشي وباء كورونا الجديد ( كوفيد 19). ولا شك إن نظام إدارة استمرارية العمل هو الطريقة الصحيحة للاستعداد وتحديد الأولويات وبدء ملء الفراغات واتخاذ التدابير الوقائية، من خلال بيانات واضحة تسمح بفهم أسباب وآثار الاضطرابات الناجمة عن تعقيدات الوضع القائم بوضوح أفضل والاستجابة لها، وبما يساهم في تقليل احتمالية حدوث أية نتائج مدمرة ذات تأثير سلبي قد يعطل العمليات وسلسلة التوريد، مع الاستعداد والاستجابة لها، وبما يمكن من وضع الحلول التي تساعد على التعافي وتطوير خطة استمرارية العمل رغم الوباء، بطريقة فاعلة وبتكلفة أقل.
كما تلعب مواصفات قياسية أخرى دوراً محورياً في استمرارية الأعمال وأهمها المواصفة القياسية الدولية لنظم إدارة الجودة ISO 9001، إضافة إلى المواصفة القياسية الدولية لإدارة أمن المعلومات ISO 27001، والمواصفة القياسية الدولية لنظام إدارة الصحة والسلامة المهنية ISO45001.

جودة تدفق الإجراءات.. وخدمة المستفيدين

تعتبر المواصفة القياسية الدولية لنظم إدارة الجودة ISO 9001 من أكثر المواصفات القياسية انتشاراً وشيوعاً في العالم، والأكثر مبيعاً من المواصفات القياسية الدولية، وتعتمد بشكل رئيس على مهارات الموظفين في التعامل مع الوثائق وبما يضمن تدفق الإجراءات بطريقة صحيحة تحقق خدمة وجودة عالية وتساهم في الحفاظ على سمعة المنظمة وصورتها أمام المستفيدين من خدماتها، واستخدام وسائل اتصال مع المستفيدين بطريقة فاعلة وآمنة في نفس الوقت، أخذاً بعين الاعتبار التباعد الاجتماعي الحاصل في معظم دول العالم.

اعمل من المنزل.. ولكن انتبه لبياناتك

تلعب المواصفة القياسية الدولية لإدارة أمن المعلومات ISO 27001 دوراً محورياً في ظل العمل من المنازل (أو عن بعد)، حيث تزداد احتمالية تعرض بيانات الشركات والمؤسسات للاختراق والتلاعب أو خطر فقدها. وبالتالي لا بد من وضع الإجراءات الوقائية التي تحول دون حدوث ذلك، سواءً تلك المتعلقة بكلمات المرور، أو تشفير البيانات، والتاكد من موثوقية الخدمات السحابية، وإجراء عمليات النسخ الاحتياطي للبيانات بصفة منتظمة، وكذلك من خلال توفير خدمات اتصال جماعي معتمدة، تجمع بين جودة المخرجات وموثوقية البيانات.

التباعد الاجتماعي في مكان العمل.. صحة وسلامة العاملين

تساعد المواصفة القياسية الدولية لنظم إدارة الصحة والسلامة المهنية ISO 45001 التي اعتمدت في عام 2018م كبديل للمواصفة 18001 على بناء نظام لإدارة الصحة والسلامة المهنية (OHSMS) يضع قوانين ولوائح الصحة والسلامة في مكان العمل. ولا شك أن عامل الأمان والصحة والسلامة المهنية عامل مهم جداً في زيادة الإنتاجية وثقة العاملين في النظام الداخلي للمؤسسة في توفير بيئة عمل مريحة وآمنة.
وفي الظروف الراهنة تساعد هذه المواصفة على تحديد وتقييم المخاطر المرتبطة بالجائحة، بما يضمن تحقيق أفضل السبل لضمان الصحة والسلامة لفرق العمل وتعكس ثقة المستفيدين في هذا النظام والتواصل مع فريق العمل في المؤسسات. وتساعد المواصفة على تقييم المخاطر المحتملة في كل عملية من العمليات التشغيلية داخل المؤسسة، والإجراءات التي يجب الأخذ بها لضمان الأمان، كالمسافة المطلوبة للتباعد الاجتماعي في مكان العمل، وأدوات التعقيم والتنظيف المستخدمة، وتقييد استخدام الأسطح والمعاملات الورقية والأجهزة اللوحية، وتوفير البدائل المناسبة لتحقيق هذا الغرض.

لغة عالمية موحدة لمواجهة جائحة كورونا!

ختاماً، ومع اتساع جائحة كورونا وانعكاس ظلالها على مختلف مناحي الحياة في شتى دول العالم، تزداد الأهمية لعدد كبير من المواصفات القياسية في مختلف المجالات، وبما أن الصوت المرتفع عالياً حالياً هو العمل معاً لمواجهة هذه الجائحة والحد من آثارها المدمرة، فإن المواصفات القياسية الدولية هي اللغة الموحدة التي اتفق عليها العالم لحماية الصحة والسلامة والبيئة ودعم الاقتصاد العالمي بما يضمن انسيابية السلع في الأسواق العالمية.

*رئيس قسم التسويق والعلاقات الدولية – هيئة التقييس

اعلان المتجر
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.