شعار يوم سلامة الأغذية.. قراءة في الأهمية والتحديات

د. عبد الأمير أحمد الليث

0 3
اعلان المتجر

يحتفل العالم بيوم سلامة الأغذية في 7 يونيو من كل عام بدءً من 2018م، وكان شعار هذا العام (سلامة الأغذية: العلم في العمل). وهذا الشعار بدى لافتاً فيما يتعلق بتوقيته، خصوصاً وأن منظمة الصحة العالمية، وهي الجهة الرئيسية المسؤولة عن صحة الإنسان وسلامته قد مضى على تأسيسها ما يقارب من 80 عاماً، وأن لجنة دستور الأغذية (الكودكس) وهي الجهة الفعلية المنوط بها أمور الأغذية وسلامتها قد مضى على تكوينها ما يزيد عن 60 عاماً (الكودكس لجنة مشتركة بين منظمة الصحة العالمية ومنظمة التجارة الدولية). وكأنما أدركت هذه الجهات الدولية مؤخرا !! فقط أهمية تسليط الضوء على العلم التطبيقي العملياتي في مجال سلامة الأغذية، وهو أمر في غير محله، وتنفيه سلسلة الشعارات التي تم تبنيها خلال الأعوام السابقة (انظر جدول رقم 1)

شعارات يوم سلامة الأغذية

السنة شعار يوم سلامة الأغذية
2019 سلامة الأغذية، مسألة تهم الجميع
2020 سلامة الأغذية، مسألة تهم الجميع (تكرر نفس الشعار)
2021 غذاء مأمون اليوم لغدٍ مفعم بالصحة
2022 أغذية أكثر أمانًا لصحة أفضل
2023 المعايير الغذائية تنقذ الأرواح
2024 تأهب لغير المتوقع
2025 سلامة الغذاء: العلم في العمل

جدول رقم 1

أهمية شعار هذه العام:

إن نظرة فاحصة على تلك الشعارات وعلى الواقع الفعلي لسلامة الأغذية على المستوى العالمي تبين أن هذا الواقع يمر بتحديات جدية عديدة تتطلب معالجات جدية وربما جديدة، وقد لا تكون متاحة حالياً لدى منظمة الصحة ولجنة دستور الأغذية (الكودكس)، علماً بأن هاتين الجهتين بالرغم مما تحوزانه من تقدير واعتبار عالميان، إلا أنهما أيضا توصمان بالبيروقراطية وبعدم الكفاءة، كباقي المنظمات الدولية الأخرى، كما أن ما يصدر عنهما من قرارات وتوصيات ولوائح فنية ومواصفات (سنشير لها اختصاراً بالتدابير)، ليست إلا مقترحات ومشاريع غير ملزمة، وإنما  لها صفة الإرشاد، أما التنفيذ فتطوعي ومتروك لكل دولة حرية التطبيق. من ناحية أخرى، فأن آلية بناء تلك التدابير تقوم على التنسيق والتوفيق بين المتناقضات: بين صحة البشر مقابل تسهيل التجارة الدولية، وبين متطلبات الدول المتقدمة والمهيمنة والدول النامية والفقيرة، وبين متطلبات الخبراء الفنيين في مواجهة نفوذ صانعي القرار المجير، وتنمر الشركات الكبرى العابرة للقارات والسيادات.

يُبين الجدول رقم 2 بعضاً من نقاط القوة والضعف، والفرص والتحديات التي تواجه سلامة الغذاء، عالمياً، بغرض التدليل لا الحصر.

نقاط القوة والضعف والفرص والتحديات

نقاط قوة نقاط ضعف
·       أُطر تنظيمية دولية عريقة.

·       استراتيجيات واضحة (من المزرعة إلى المائدة).

·       الابتكار التكنولوجي (التتبع الرقمي ومراقبة سلاسل التوريد).

·       الكشف السريع عن مسببات الأمراض.

·       التعاون العلمي وتبادل المعرفة.

·       البيانات الضخمة.

·       التنفيذ الطوعي والامتثال غير المتسق.

·       التنفيذ المجزأ.

·       فجوات الموارد ومحدودية البنية التحتية.

·       فجوات التدريب.

·       فجوات في التدقيق.

·       تعقيد المراقبة وجمع البيانات.

·       ثغرات الحوكمة والتنظيم المتشظي.

·       عوائق الشفافية ومشاركة البيانات.

فرص مخاطر
·       تطبيقات الذكاء الاصطناعي (أجهزة الاستشعار).

·       تطبيقات التحليلات التنبؤية.

·       التقنيات الخضراء.

·       التدوير.

·       تكنولوجيا التكيف مع المناخ.

·       الشفافية الموجهة للمستهلك (وسم الأغذية ورموز الاستجابة السريعة).

·       آثار تغيرات المناخ.

·       المخاطر الجيوسياسية مخاطر سلاسل التوريد.

·       الغش الغذائي.

·       التهديدات البيولوجية الناشئة.

·       مخاطر المنتجات الغذائية المبتكرة.

·       بدائل المواد المنافسة.

·       مخاطر سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

جدول رقم 2

إن شعار يوم سلامة الأغذية لهذا العام يحمل في طياته أهمية كبيرة، فهو شعار قوي ومطلوب، ويعكس الأهداف النبيلة وراء شعارات سلامة الأغذية، ولتوضيح ذلك، فيما يلي استعراض لجوانب قوة شعار هذا العام (سلامة الغذاء: العلم في العمل):

أولاً: يذكرنا الشعار الذي تم تبنته لهذا العام بأن العلم ليس قوالب ثابتة وجامدة، بل هو عملية ديناميكية يتحرك في مجالاته المختلفة، كما يذكرنا الشعار بالحاجة الدائمة إلى التطبيق المستمر للعلوم ووضعها قيد الاختبار والتقويم في الميادين المختلفة ذات الصلة.

ثانياً: تبني مثل هذا الشعار هو بمثابة إقرار من قبل المنظمة والكودكس بأن هناك فجوة معرفية/ عملياتية بين المعرفة والتطبيق، فليس كل ما يَصدر من المنظمة (أو اللجنة) يجد طريقه للتنفيذ. كما يُفهم من الشعار التركيز على الجوانب العملية، وترجمة العلوم والمعايير إلى ممارسات يومية.

إن نقل المعرفة وتطبيقها هو أحد التحديات الرئيسية، خاصة في البلدان الفقيرة والنامية، وبالتالي فإن تبني الشعار يمكن اعتباره محاولة لسد هذه الفجوة.

ثالثاً: أن هناك العديد من التحديات القديمة، المتعلقة بسلامة الأغذية، والتي ما زالت قائمة، ويتم تجاهلها أحياناً، فتراوح مكانها دون حلٍ حازم. خذ مثلاً ما استجد مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية بتصدي وزير الصحة الأمريكي لاستخدام بعض الألوان كمضافات غذائية، ومحاولته حظر استخدام 8 ألوان مرخصة حالياً وشائعة الاستعمال، لكن سجلها الصحي ليس آمنا كلياً.

رابعاً: ظهور تحديات ومخاطر جديدة لم تكن معروفة قديماً وتتطلب معالجات علمية جديدة. فبرغم من أن معايير سلامة الأغذية خاضعة للنقاش منذ عقود عبر لجنة الدستور وغيرها، إلا أن طبيعة مخاطر سلامة الأغذية تتجدد وتتطور باستمرار، على سبيل المثال: ظهور ملوثات جديدة (المواد البلاستيكية الدقيقة، بقايا أدوية بيطرية حديثة)، تأثير تغير المناخ على سلامة المحاصيل، التحديات المصاحبة للغذاء المعدل وراثياً، وتقنيات الإنتاج المعقدة (مثل البروتينات البديلة، واللحوم المنتجة مختبريا)، كلها تتطلب علماً متقدماً يستجيب لهذه التحديات، حيث لم يكن العلم على نفس الدرجة من التطور قبل 60 عاماً.

خامساً: الرفد التكنولوجي يعزز ويقوي العلم. فعلوم اليوم يرفدها تقدم تكنولوجي هائل لم يكن متوفراً في الأيام الخوالي. فقد أتاح الذكاء الاصطناعي مراقبة الجودة، وإجراء التشخيصات السريعة للملوثات، وتطوير تقنيات حديثة للتعقيم، مما يُعطي معنىً جديداً وقوة غير مسبوقة لفكرة “العلم في العمل”. هذا التقدم التكنولوجي أتاح أيضاً للعاملين في مجالات سلامة الأغذية، وسم الأغذية (أي وضع العلامات الغذائية، food tagging)، وتتبع السلاسل الغذائية (blockchain) ، وتتيح هاتان التقنيتان، بالإضافة إلى استخدام رموز الاستجابة السريعة (RFID)، إمكانية تتبع الأغذية بشكل أفضل وتعزيز الشفافية والسلامة، حيث إن تقنية التسلسل الغذائي (blockchain) توفر سجلاً آمنًا وقابلًا للتدقيق ومقاومًا للتلاعب لرحلة المنتج الغذائي من المزرعة إلى المائدة.

سادساً: ديمومة الرسالة، حيث تحرص منظمات الأمم المتحدة على اختيار شعارات مناسبة للأيام التي تحتفي بها، وتأخذ في اعتبارها تفاوت الإمكانيات بين الدول الأعضاء. وهذه الشعارات ليست بالضرورة إعلاناً عن شيء جديد تماماً، بل هي تذكير بالمهام وتجديد بالالتزام بالأمانة الملقاة على عواتقها.

وشعار العام هو تذكير للحكومات ولشركات الصناعات الغذائية، ومؤسسات خدمة الأغذية والمستهلكين بأن الأساس في ضمان سلامة الغذاء هو الاعتماد على الأدلة العلمية، وليس الاجتهادات أو الادعاءات أو التخرصات غير المثبتة، وهو تذكير ضروري ومستمر، لا يحده أجلٌ معلومٌ أو تاريخ انتهاء الصلاحية.

في الختام، علينا ملاحظة إنه في الوقت التي تتكفل فيه منظمة الصحة العالمية ولجنة دستور الأغذية بصياغة شعارات سلامة الأغذية السنوية، فإن مسألة إشهار هذه الشعارات وتطبيقها وتحقيق أهدافها منوط بالدول الأعضاء تبعاً لأولوياتها الصحية وسياساتها المحلية.

*أستاذ مشارك متقاعد – جامعة البحرين – كلية العلوم – قسم علوم الحياة.
عمل سابقا بوزارة الصحة – إدارة الصحة العامة – قسم مراقبة الأغذية. خبير في سلامة الأغذية

اعلان المتجر
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.