من الجودة إلى الاستدامة البيئية: كيف تُعيد ISO 17025 تشكيل ثقافة المختبرات؟

د. داليا البيلي

0 10
اعلان المتجر

في ظل التوجهات العالمية نحو التنمية المستدامة، لم تعد المختبرات تُقاس بكفاءتها الفنية فقط، بل بات يُنظر إليها كمكونات فاعلة في النظام البيئي.

ولأن المختبرات تُعد من البيئات كثيفة الاستهلاك للطاقة والموارد، فقد أصبح من الضروري دمج البعد البيئي ضمن نظام إدارتها.

من هذا المنطلق، يُعدّ المواصفة القياسية الدولية ISO/IEC 17025:2017 نقطة تحول استراتيجية، لا لضمان الجودة فحسب، بل لإعادة تشكيل الثقافة التنظيمية للمختبر نحو حوكمة بيئية شاملة.

  • التحول الثقافي.. من الالتزام الفني إلى الرؤية البيئية

في دراسة تمت حديثاً باستخدام عينة مكوّنة من 346 مختصاً مختبرياً أظهرت أن تطبيق ISO 17025 لا يقتصر على تلبية متطلبات فنية، بل يفرض تحولاً في بنية العمل المختبري. فالتوثيق الصارم، وإدارة المخاطر، ومفهوم التحسين المستمر، كلها تؤسس لثقافة داخلية جديدة، تُعلي من شأن التقييم الذاتي، والتفكير المنهجي، والاستجابة المستدامة للمتغيرات.

هذه الثقافة الجديدة تُعيد صياغة دور المختبر من “منفّذ دقيق” إلى “كيان مسؤول”، قادر على الربط بين جودة الأداء وأثره البيئي والاجتماعي.

(ISO 17025) كمدخل إلى الاستدامة البيئية

تشير نتائج الدراسة إلى أن التأثير الإيجابي لتطبيق ISO 17025 على الأداء البيئي لا يحدث بشكل مباشر فقط، بل يتعزز عند دمجه مع نظام إدارة المختبر (LMS)، والذي يشمل التوثيق، والمراقبة، والتحسين، والمساءلة البيئية. وهذا الدمج يُحدث نقلة نوعية من الامتثال إلى التملك، ومن التعليمات إلى المبادرة.

وقد كشفت النتائج الدراسة أن:

  • تطبيق ISO 17025 يفسر83.9% من التحول البيئي في المختبرات.
  • عند احتساب نظام إدارة المختبر كوسيط، يرتفع التأثير إلى 94%.
  • أظهرت النتائج أيضاً أن تطبيق ISO 17025 يُعزز الأداء البيئي بشكل فعّال، حيث فسّرت متطلبات رئيسية مثل التوثيق، وإدارة المخاطر، والتحسين المستمر أكثر من 79% من التغير في مؤشرات الاستدامة، مما يؤكد دور المعيار في دعم المختبرات للتحول نحو ممارسات بيئية مستدامة.
  • التحديات والفرص

رغم التقدم الملحوظ في تبني معايير الجودة في معظم المختبرات، فإن دمج البُعد البيئي ما زال محدوداً. ويرجع ذلك جزئياً إلى غياب توجيهات صريحة، وضعف الربط بين الجهات التنظيمية البيئية والجهات المعتمدة للمختبرات. إلا أن هذه الفجوة تمثل فرصة لتطوير أطر معيارية تكاملية.

  • توصيات استراتيجية
  • تحديث أدلة الاعتماد الوطني لتشمل مؤشرات بيئية واضحة.
  • دمج تدريب الاستدامة ضمن برامج تأهيل العاملين بالمختبرات.
  • ربط الدعم الحكومي للمختبرات بمؤشرات الأداء البيئي.

خاتمة

ما تبرزه نتائج هذه الدراسة أن معيار ISO 17025، إذا ما تم توظيفه بذكاء، قادر على إعادة تشكيل ليس فقط بنية المختبر، بل ثقافته وهويته التنظيمية، ليصبح عنصراً فاعلاً في تحقيق التزامات الاستدامة الوطنية والدولية. وهي دعوة للمختبرات للانتقال من الامتثال الفني إلى الريادة البيئية، مدعومة بدليل علمي موثق ومنهجي.

*دكتوراه في إدارة الجودة، ومقيم فني معتمدة في ISO 17025 من مركز الاعتماد الخليجي، خبيرة في مجال الرقابة والتحليل على جودة الأدوية.

اعلان المتجر
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.