يُعد التقييس من أهم القضايا التي تمثل لدينا هاجسًا وطنيًا يصب في مصلحة اقتصادنا الوطني، ويعزز من توجهات المملكة العربية السعودية نحو التصنيع وتحسين المنتج الصناعي، لذا فإن من البديهيات المعروفة أن التقييس يساهم بشكل فعَّال في تنمية وتطوير القطاع الصناعي حيث يؤدي تطبيق المواصفات القياسية إلى تبسيط جميع العمليات الصناعية مع الحصول على إنتاج متجانس ومتماثل يساعد نحو فتح آفاق جديدة في الإنتاج الصناعي، وإلى زيادة الكفاية الإنتاجية التي تساهم بدورها في خفض كبير في تكاليف الإنتاج مع تحسين في نوعيته وجودته وكفاءته إلى جانب التخفيف من الهدر والحد من الخسائر. كما تمهد المواصفات القياسية الوسائل نحو إدخال المكننة الآلية والتقنيات الحديثة في العمليات الصناعية مما يساعد في رفع كفاءتها وتحسين جودتها وزيادة إنتاجها كمًّا ونوعًا، وبالتالي تعظيم فرص التسويق والاستثمار والتوسع والانتشار.
فوائد التقييس.. مجال التجارة والصناعة
لا تقتصر فوائد التقييس على مجال الصناعة فحسب، بل تتعداها إلى مختلف أنشطة الاقتصاد الوطني، ففي مجال التجارة والصناعة يؤدي توحيد المصطلحات التقنية والتجارية والصناعية ووضع مواصفات قياسية دقيقة للخامات والسلع وطرق فحصها واختيارها وتداولها وتوحيد وحدات الوزن والكيل والقياس إلى تيسير المعاملات التجارية والإسراع بها مع إرسائها على أسس واضحة ومحدثة وعادلة.
مجال الصحة والسلامة المهنية
يؤدي وضع المواصفات الصحية في عمليات التعدين والتصنيع وفي صنع وخزن وتداول الأغذية وتحديد مواصفات دقيقة للأجهزة والمعدات والأدوية والمستلزمات الطبية إلى تخفيف الحوادث ومنع الأمراض والحد من انتشارها والمحافظة على صحة وسلامة المواطنين.
مجال الإنشاء والإسكان والمرافق
إن وضع مقاسات ومواصفات قياسية موحدة لمواد البناء يؤدي إلى تبسيط وتيسير عمليات البناء مع خفض تكاليفها، كما أن وضع الأسس الفنية للتصميم والتنفيذ في الإنشاءات والمرافق يؤدي إلى ضمان معايير السلامة والأمان فيها.
مجال الزراعة
إن تنظيم عمليات الزراعة في جميع مراحلها بدءًا من انتقاء البذور الجيدة طبقا للمواصفات القياسية وتهيئة الأرض وتسميدها بالأسمدة ذات المواصفات القياسية المناسبة يؤدي إلى استغلال التربة على أكمل وجه، ومن ثم زيادة المحصول الزراعي وإثرائه وبلوغ جودته ونوعيته مما يسهل تبادله ورواجه.
مجال النقل والمواصلات
يؤدي وضع مواصفات قياسية للطرق والجسور وأرصفة الموانئ ومدارج الطائرات إلى سهولة الانتقال مع مراعاة متطلبات الأمن والسلامة. كما أن توحيد إشارات المرور يؤدي إلى تسهيل المرور وانسيابية الحركة مع ضمان السلامة وتخفيف الحوادث.
مجال التعليم والثقافة والعلوم والترجمة
يساعد توحيد المصطلحات والرموز العلمية كثيرًا على إثراء اللغة ونشر الثقافة وتبادل المعرفة وتيسير الأبحاث وتداولها بين الأمم والشعوب.
مجال الشؤون الإدارية والمالية
من أهم الأمثلة في هذا المجال ما يتعلق بالمخازن حيث يمكن تقليل عدد نماذج وأنواع الخامات مما يؤدي إلى نقص كمية المخزون وبالتالي نقص حجم التخزين وتبسيط عمليات الجرد والحسابات. وفي مجال الأجهزة والمعدات الكهربائية فإن المواصفات القياسية عليها معول كبير في كيفية تصميمها وتحملها وتعظيم درجات سلامتها وأمانها إلى جانب تحسين تصميمها وإدائها وكفاءتها والتوفير من استهلاكها للطاقة.
إذاً.. يُرى أن من الأهمية بمكان تضمين التقييس وصناعة المواصفات القياسية في برامجنا العلمية وخططنا الدراسية والتركيز في الدراسات والأبحاث وأطروحات الدراسات العليا على كيفية صناعة وإعداد تلك المواصفات أخذًا في الاعتبار المفاهيم الأساسية لتصميم الأجهزة والمعدات ومراعاة أسس السلامة لأن تكون ذات كفاءة عالية وأداء آمن حسب ما تنص عليه المواصفات القياسية الوطنية الصادرة في هذا الشأن. كذلك الاهتمام بالطاقات البديلة والمتجددة (النووية والشمسية والرياح) بحيث يُرجع في كثير من مفاهيمها وتوجهاتها نحو تبني وتطبيق المواصفات القياسية السعودية ذات العلاقة بتلك الطاقات وأنواعها.
كذلك أيضًا على سبيل المثال تشجيع وتحفيز مشاركة أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية للإفادة من تخصصاتهم العلمية في الكثير من أعمال وأنشطة مختلفة (استشارات، إعداد كودات، اعتماد مواصفات، مراجعة وترجمة مواصفات، تعريب مصطلحات فنية، مشاركات في ورش عمل ولجان متخصصة، إلخ)، ومشاركتهم في إعطاء محاضرات علمية وإعداد دورات تدريبية، بالإضافة إلى المشاركة في عمل دراسات وأبحاث فيما يدعم المواصفات القياسية ويعزز الجوانب التصميمية والتطبيقية منها.
إن التقييس يرتكز على النتائج الراسخة للعلم والتجربة والخبرة والمراس والتقنيات الحديثة، وهو لا يحدد أسس التحديث الحاضر فحسب، بل يساير التقدم والرقي ويمضي قُدمًا في مواكبة التوجهات الحديثة وتبني التقنيات المستجدة في مجالات التحولات الرقمية والذكاء الاصطناعي إلى جانب تطوير القدرات البشرية والملكات الذاتية والمهارات الإبداعية لدى خريجينا من شباب الجامعات.
* جامعة الملك سعود