يتصدر قطاع المواصلات في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قوائم القطاعات المستهلكة للطاقة الأولية، حيث تشير أحدث الإحصائيات الصادرة في المملكة العربية السعودية إلى أن قطاع المواصلات يستهلك نحو 22% من الإجمالي للطاقة الأولية في المملكة العربية السعودية، وفي العموم تكون نسبة استهلاك قطاع المواصلات للطاقة جداً متقاربة بين بقية دول مجلس التعاون.
ويعزى ارتفاع نسبة استهلاك قطاع المواصلات للطاقة لأسباب كثيرة أبرزها الأعداد الهائلة للسيارات الشخصية في دول مجلس التعاون، ونسب الزيادة في أعداد السيارات التي ترصد بشكل سنوي.
حيث تشير أحدث الإحصائيات أن عدد السيارات في مملكة البحرين بلغ نصف عدد السكان! حيث بلغ عدد السيارات 731 ألف سيارة مقارنة بعدد السكان البالغ مليون و484 ألف فرد – بحسب أحدث الإحصائيات الصادرة في سنة 2020، علاوة على أسباب أخرى متعلقة بالعزوف عن استخدام وسائل النقل الجماعي المتواضعة وطبيعة التصميم الحضري والامتداد العمراني الأفقي في دول الخليج الذي يجعل من السيارة أن تكون الوسيلة المثلى للتنقل مقارنة بالوسائل الأخرى كالمشي أو استخدام الدراجات أو استخدام حافلات النقل الجماعي!
وينتج عن هذا الاستهلاك المرتفع حرق ملايين الليترات من الوقود بصورة “الجازولين” أو “الديزل” لتيسير حركة السيارات والحافلات ومعدات النقل الثقيلة بشكل يومي في دول الخليج، ولهذا الاستهلاك المفرط في الطاقة تداعيات كبيرة وكثيرة على صحة الإنسان والبيئة تنعكس على مؤشرات الصحة العامة وعلى مؤشرات جودة الهواء، فعوادم السيارات تنتج منها انبعاثات كثيرة تؤثر على صحة الإنسان بشكل مباشر كغاز أحادي أكسيد الكربون (CO) السام الذي يتسبب بالوفاة فور استنشاقه بشكل مباشر، أو الجسيمات الدقيقة (PM) التي تتسبب بأمراض كثيرة في الجهاز التنفسي تصل إلى السرطان والعياذ بالله، كما تنبعث من عوادم السيارات أيضاً غازات دفيئة تعتبر من المسببات الرئيسية لظاهرة الاحتباس الحراري كغاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) و غاز أكسيد النيتروس (N2O)، ناهيك عن التلوث الضوضائي الناتج عن حركة السيارات في المناطق الواقعة بالقرب من الطرق المكتظة بالسيارات.
وتتضافر الجهود الدولية للحد من تداعيات التلوث البيئي والصحي ومؤخراً الضوضائي لقطاع المواصلات بما يتناسب مع طبيعة الدول وسكانها، فبعض الدول تتجه إلى تشجيع أفراد المجتمع على المواصلات العامة، وتنمية المناطق الحضرية بشكل يسهم في الحد من الاعتماد على السيارات، وبعض الدول بادرت بتشجيع مواطنيها على استخدام السيارات الصديقة للبيئة، وأقصد هنا السيارات الكهربائية المعرفة بالسيارات منعدمة الانبعاثات (Zero-Emissions Vehicles)، وعلى الرغم من أنها تعتبر من أفضل الحلول الممكنة لمعالجة تداعيات التلوث الناتج عن قطاع المواصلات لكن من الصعب جداً أن يتم التحول بين ليلة وضحاها، فلا مصانع السيارات الكهربائية قادرة على تغطية الطلب العالي على السيارات الجديدة! ولا شبكات الكهرباء والبنية التحتية للدول جاهزة لتسيير عدد كبير منها في الطرقات!
وهنا يأتي دور التشريعات والخطط الاستراتيجية لتحقيق أقصى درجات الجهوزية لتسيير السيارات الكهربائية على الطرقات.
وقد وضعت بعض الدول الأوربية مجموعة من المحفزات للمواطنين لشراء السيارات الكهربائية علاوة على تحديد موعد نهائي لمنع بيع السيارات التقليدية، فمن الثابت أن حكومة المملكة المتحدة ستمنع بيع السيارات التقليدية التي تعمل على الجازولين والديزل اعتباراً من 2040م، على الرغم بأنها تسعى لتقديم مرحلة المنع لتكون في 2035م.
أما من جانب الشركات المصنعة للسيارات فيجب أن تماشي رياح التغيير وأن تطرح كميات أكبر من السيارات الكهربائية لسد باب الطلب المتزايد على السيارات الكهربائية. والشي بالشيء يذكر فشركة تويوتا تخطط لبيع 5.5 مليون سيارة كهربائية بحلول عام 2025م. وكذلك تطمح شركة فولفو للسيارات بوضع 1 مليون سيارة كهربائية في الطرقات بحلول عام 2025م.
ولأن التغيير أمده طويل، فستبقى الكثير من مصانع السيارات على خطوط إنتاجها التقليدية لسنوات عديدة، وستشدد الجهات الرقابية في دول عديدة على مواصفات اقتصاد الوقود، ومن المتوقع أن تعتمد دول كثيرة على معيار اقتصاد الوقود المكافئ المطبق في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك أن تلزم كثير من الدول ببطاقات اقتصاد الوقود كمثلها المطبقة في دول مجلس التعاون أو في الولايات المتحدة الأمريكية، أو أن تضع حداً أقصى مسموح به لاستهلاك الوقود في السيارات الشخصية، وهذا شيء بعيد المنال ولكن من المحتمل أن يتم تطبيقه إذا انتصر الناشطون في مجال البيئية في جولاتهم ضد مصنعّي السيارات.
وبسبب إلزام مصنعّي السيارات في بلدان عديدة بتثبيت بطاقات اقتصاد الوقود التي ترشد المستهلك لاختيار السيارة الأكثر توفيراً للوقود؛ واستشهد هنا ببطاقة اقتصاد الوقود الخليجية الصادرة عن هيئة التقييس لدول مجلس التعاون، والتي جاءت لتعريف المستهلك بمعدل اقتصاد الوقود للمسافة المقطوعة بالكيلومترات لكل لتر من الوقود المستهلك، وكلما زاد معدل اقتصاد الوقود قل استهلاك السيارة للوقود.
وتحمل البطاقة الخليجية لاقتصاد الوقود ستة مستويات هي: ممتاز، جيد جداً، جيد، متوسط، سيء، سيء جداً، وبسبب هذا التصنيف تحاول المصانع تجنب وضع سياراتها في أواخر التصنيف الخاص بالبطاقة وأن تحسن من استهلاك مركباتها للوقود من خلال اعتماد مجموعة من التحسينات على طرازاتها الحديثة، وسأذكر لكم في هذا المقال أهم 10 تحسينات تعمل عليها مصانع السيارات التقليدية لتحسين استهلاك السيارات للوقود على أعقاب التحول للسيارات الكهربائية:
- تقليل وزن السيارة.
- استخدام نظام التوقف والتشغيل التلقائي (Stop/Start System).
- استخدام أنظمة حقن الوقود الذكية.
- استخدام محركات الإشعال بالضغط العالي.
- استخدام محركات الشحن التوربيني الأحادية أو المزدوجة.
- استخدام المحركات الهجينة التي تتكون من محرك احتراق داخلي والثاني محرك كهربائي.
- زيادة عدد سرعات ناقل الحركة.
- استخدام ناقل حركة ذو تعشيق مستمر ((CVT.
- تعزيز الديناميكا الهوائية للسيارة.
- استخدام الإطارات ذات مقاومة الدوران المنخفضة.
وفي الختام عزيزي القارئ، من الممكن ملاحظة أن معظم التحسينات التي أشرت إليها موجودة على أرض الواقع عبر طرازات السيارات الجديدة، ومصداق هذا القول هو الإعلان الأخير للمركز السعودي لكفاءة الطاقة عن التحسن في معيار اقتصاد وقود السيارات الجديدة بنسبة 3% في المملكة العربية السعودية.
* مشرف تطبيق المواصفات بوزارة الصناعة والتجارة والسياحة – مملكة البحرين.
أهم المصادر:
- المركز السعودي لكفاءة الطاقة (SEEC).
- المكتب الأمريكي لكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة (EERE).
- وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA).
- إحصائيات هيئة المعلومات والحكومية الإلكترونية بمملكة البحرين (المنشورة في شهر مارس 2020).
- إحصائيات مركز الإعلام الأمني بوزارة الداخلية في مملكة البحرين (المنشورة في شهر مارس 2020).